سينمائيا.. الأزمة السورية مادة ثرية لا جديد فيها

منصورة الجمري*

منذ بدايات اندلاع أزمة سوريا، بدت الأفلام التي أنتجت حولها، متحاملة إلىحد كبير، منحازة إلى جهة دون أخرى، والأهم من ذلك مثقلة إلى أقصى حد ببشاعة الهجمةاللاإنسانية التي تعرضت لها سوريا. جاءت معظم تلك الأفلام الأولى على يد سينمائيينسوريين، أكثرهم كان خارج سوريا وقت إنجاز فيلمه. والحق فإن أغلت تلك الأفلام قدمبلغة سينمائية رصينة إلى حد كبير لكنها بالنسبة لمشاهدة من خارج سوريا كانت تخاطبالوجدان السوري أولا ثم العالمي لكن بلغة عاطفية بحتة. ومن وجهة نظر شخصية، كانأهم تلك الأفلام فيلم “سلم إلى دمشق” للمخرج السوري المعروف محمد ملص.قدم ملص فيلمه ببراعة كبيرة وكان ذلك في عام 2013،  تحدث فيه عن ثورة بلاده “المسلوبة”وقال رداً على الصحفيين حول أسباب تقديمه للفيلم بأنه أراد من وراءه أن يفجر مشاعرالحنين واللوعة لمن غادروا بلادهم من السوريين.

من وجهة نظر شخصية مرة أخرى، كان فيلم ملص، رغم جودته العالية، مثقلا بكثيرمن المشاعر والعواطف الجياشة، ومتحاملا على جهة ما، ومنحازاً … ربما لموقفه منالأزمة التي اعتبرها ثورة من أرادوا التغيير.

توالت الأفلام بعدها، والحق فقد كثير من تلك الأفلام كانت جيدة، قدمهامخرجون صنعوا أسماءهم بجدارة. لكن حجم الاستنزاف العاطفي في تلك الفيلم بدا مانعاًمن تكوين صورة واضحة عما يحدث في سوريا، وأمراً غير مشجعاً لمتابعة المشاهدة أوتتبع ما يجد من السوريين في مجال السينما.

السنوات الأولى لم تكن على أية حال سوى بدايات الأزمة، السوريون، كماالعالم كله، لم يكونوا مدركين لما سيأتي بعد سنوات، وبالتطور اللاإنساني في أزمتهمالذي سيحل بالعالم أجمع. آنذاك كان السوريون، على الأقل ممن قدموا أفلامهم، يعيشونحالة ألم بارح وصدمة قاسية، وجحيم لا يطاق جراء ما تمر به بلادهم وما يعيشوه هم أوأهاليهم في داخل سوريا. كانت أفلامهم حينها تنطق بألسن مختلفة ومذاهب متباينة، وتبرزمواقف متعاكسة، سينمائياً وسياسياً. جميعهم تغنوا بسوريا، وكلهم بكوا عليها وأبكوامشاهديهم، بل واستنزف معظمهم مشاعر المشاهدين دون منطق واضح.

أزمة اللاجئين

تغيرت الصورة تماما في عام 2015 حين تفجرت أزمة أخرى انبثقت من الأزمة السوريةهي واقعاً أزمة اللاجئين السوريين في أوربا. بدأ الأمر بمشاهد مؤلمة نقلتهاالقنوات الإخبارية ونشرتها الصحف وتبادلها الناس على مواقع التواصل الاجتماعي. بداالأمر منذرا بكارثة إنسانية عالمية، ضحيتها الشعب السوري والفاعلين فيها .. كثر.

عند ما سيطرت أخبار وصور اللاجئين السوريين على الأخبار… تدخلت السينما..وثائقياً، وكانت تلك نقلة أكثر عاطفية وأكثر تعبيرا عن شعور منتجي تلك الموادالسينمائية ومواقفهم مما يحدث عالمياً. ربما كانت صرخات استنكار .. ضد سياساتالدول الخاصة بالهجرة واستقبال اللاجئين وربما كانت أكثر من ذلك…صرخة ضد سياسةعالمية أنتجت كل هذا العذاب الإنساني.

حمل المخرجون كاميراتهم، وذهبوا بها بعيدا، نحو مخيمات اللاجئين المنتشرة،ثم متنقلين بين الحدود الأوربية مصاحبين اللاجئين في رحلات شقائهم وهربهم نحو أملجديد وحياة أكثر أمنا وأقل شقاءا وبشاعة من تلك التي عاشوها في بلادهم منذ إندلاعأزمتها.

منظمة العفو الدولية مثلا تحدثت في عام 2016 عما أسمته بقائمة أفلام”رائعة” تعرضت لأحوال اللاجئين، كان منها  فيلم “بعد الربيع” After Spring (2016) الذي تعرض لأحوالاللاجئين السوريين في مخيم الزعتري في الأردن والذي حصل على جائزة مهرجان ترايبيكاالسينمائي.  ضمت قائمة العفو الدولية أيضافيلم “جمهورية اللاجئين” Refugee Republic  (2016) الذي يتعرض لأحوالاللاجئين السوريين أيضا ولكن في شمال العراق، وهو الآخر حصد جوائز مهرجانات دولية كثيرة، وفيلم “سلام يا جاري” SalamNeighbor   (2015) وهو الآخر يتحدث عن معاناة اللاجئين فيمخيم الزعتري بالأردن. ضمت القائمة فيلما مميزا رشح لكثير من الجوائز هو فيلم  نار في البحر Fire at Sea  (2016) الذي كان أحد أفضل الأفلام التوثيقيةالتي صورت معاناة اللاجئين  بشكل صادم وقويومؤثر. رشح الفيلم لأوسكار أفضل فيلم توثيقي وجرت أحداثه في لامبدوسا، إحدى جزرصقلية، التي كان يصل لها آلاف من اللاجئين السوريين وغيرهم بحثا عن حياة جديدةوأمل جديد. قدم الفيلم يومها تفصيلا مرعبا لرحلة أولئك اللاجئين، ولتأثير وصولهؤلاء على حياة سكان الجزيرة. كان فيلما مؤثرا صادقاً إلى حد كبير اضطر مخرجه لأنيبقى عاما كاملا في الجزيرة ليعاين الأحوال بنفسه وليعيش معاناة الطرفين… السكانواللاجئين. كانت تلك سينما حقيقية… تنقل قصصاً أصيلة بمصداقية عالية لتحدثتأثيرا كبيرا. 

من بين الأفلام التي تميزت أيضا كان فيلم (أريد أن أعيش) I want to Live  الذي يتحدث عن معاناة الأكراد السوريين فيمخيمات اللاجئين في كردستان، وفيلم (وطني) My Homeland  (2016) ورشح لأوسكار أفضلفيلم توثيقي، وفيلم 4.1 Miles  الذي يستعرض محاولات حرسالحدود اليونان لانقاذ لاجئين سوريين على سواحل جزيرة ليزبوس اليونانية، وهو الآخررشح لأوسكار أفضل وثائقي. 

توالت الأفلام بعدها ولا تزال كذلك حتى وقت كتابة هذا المقال، لتجعل الأمريبدو كما لو أن صناع الأفلام الراغبين في اقتناص جوائز المهرجانات الدولية، وجدوافي أزمة اللاجئين السوريين، وسواهم من اللاجئين بكل تأكيد، ورقة حظ رابحة، علىالأخص لدى المهرجانات السينمائية التي تقام في الدول الغربية، والتي تسعى لنقلصورة أخرى مغايرة لتلك التي تصنعها سياسات الغرب تجاه اللاجئين والتي فاقمت منمعاناتهم وخلقت أزمات جديدة للاجئين وللمجتمعات التي ينتقلون إليها.

ماذا بعد؟!

اليوم وبعد مرور عامين أو ثلاثة من ظهور موجة تصوير الأفلام الوثائقية التيتستعرض وتوثق معاناة اللاجئين السوريين، يبدو الأمر مختلفاً. إذ لم تعد هذه الأفلامتنقل أي جديد، لم تعد جديدة على العالم المشاهد التي تصور معاناة اللاجئين السوريينالهاربين من الموت والقتل والذبح وانتهاك الحرمات أو القصف والموت تحت أنقاضمنازلهم، لم يعد كل ذلك جديداً. حتى مشاهد غرق المهاجرين في البحر والصور التيتدمي القلوب.. لم تعد جديدة. ربما كانت صورة الطفل السوري الغارق على سواحل تركيانهايات عام 2015، ربما كانت كافية لهز ضمير العالم كله، لكن ذلك حدث حينها وأصبحتتلك  الصورة الآن مجرد ذكرى، لن تمحى نعممن ذاكرة كثيرين، لكنها ذكرى فقط.  

عرف الجميع ما عاناه السوريون، وكيف صارعوا الأمواج في قوراب ليست معدةلنقل بشر، وكيف يعاملهم حرس حدود الدول التي يلجئون إليها، ثم كيف تنقسم شعوب تلكالدول في مواقفها منهم، وكيف تحاول المجتمعات التي يلجئون إليها أن تستوعبهم، تقبلهمأو ترفضهم.

من وجهة نظر مشاهد عالمي، بعيد ربما عن سوريا، مشاهد غربي لنقل، ما الجديد الذينتنقله هذه الأفلام اليوم بعد سبعة أعوام من إندلاع الأزمة. لماذا يستمر إنتاجهاوتتكرر موضوعاتها وثيماتها ولماذا يستمر مخرجو الأفلام التوثيقية في حمل كاميراهموملاحقة اللاجئين في رحلاتهم عبر الحدود.

ألا تبدو تلك الأفلام الآن مستثمرة لمعاناة هؤلاء وربما مراوغة في موقفهاوفي نقلها لتلك المعاناة، مرتبكة بين واقع ما تسجله كاميرا مخرجيها ورغبات مموليهاوسياسات الدول التي تنتجها.

هذه الأفلام التي ادعت منذ بدايات انطلاقها في أوربا أنها تسعى لأن تجد حلالأزمة اللاجئين السوريين، لم تفعل شيئا ولم تغير الكثير في حال هؤلاء اللاجئين.وعلى رغم تبني بعض الجهات لعدد من تلك الأفلام على أساس توجهها الإنساني البحتوكذلك بناءا على توقعات تلك الجهات بأن يكون لتلك الأفلام تأثير إيجابي ما علىأوضاع أولئك اللاجئين، إلا أن حال أولئك اللاجئين بقي دون تغيير كبير يذكر.

يبدو الأمر استثمارا ومرواغة وانتهازا لفرصة تاريخية، لصناعة أفلام تحصدالجوائز، تلفت الأنظار، وتبرز أسماء صانعيها، وتصقل صور الدول التي تنتجها. فماالذي تقدمه هذه الأفلام من جديد ليستمر انتاجها حتى اليوم بذات الروح والتوجه. ألاتبدو تفاصيلها مكررة، شاهدها كثيرون مرات ومرات إما عبر تقارير أخبارية مباشرة حيةأو غير ذلك، أو حتى عبر ما يتم تناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء أكانصحيحا أم مفبركا.

ربما يريد العالم اليوم أن يشاهد صورة مختلفة، أن تقوم السينما بدور توثيقيمغاير. ربما نريد أن نعرف ما آل إليه حال هؤلاء المهاجرين في مجتمعاتهم الجديدة،تأثيرات وجودهم، سلبا وايجابا، سياسيا وثقافيا واجتماعيا. ربما نحتاج لوجود صناعأفلام، أكثر توازناً في نظرتهم للأمور، أكثر وعيا بدور السينما، التوثيقية على وجهالخصوص، أكثر إدراكا لأن إنسانية السوريين أو غيرهم لم تعد تحتمل مزيدا منالمزايدات لا يمكن لصانعي الأفلام بداية أن يتخذوا موقفا من جهة ما أو أن ينحازوافي أفلامهم لجهة دون أخرى. موضوع الأفلام يجب أن يكون معاناة السوريين من أي توجهومهما كانت انحيازاتهم أو مذاهبهم أو ايديولوجياتهم. عبثت كثيرمن الأيدي في سورياويكفي ما تكبده السوريون من وراء ذلك، ولذا فعلى السينما أن تنأى بنفسها عن كل تلكالمزايدات أيا كان نوعها. لم يعد هناك أي مجال لأفلام مثقلة بالابتزاز العاطفي كمافعلت الأفلام الأولى، أو لأي استثمار للأزمة أو صقل لصورة أي جهة ما على حساب آلامودموع ودماء السوريين. ربما آن للسينما العالمية أن تمارس أحد أدوارها بمهنيةعالية، وربما آن لها أن تناقش اليوم ما يحدث حقاً للسوريين ولمن استقبلهم ولمن يقفمع إنسانيتهم أو ضدها أو  من لا يكترث لها… بحيادية، بإنسانية، بمهنية عالية.

  • *مقال منشور في نشرة المنبر التقدمي الشهرية 

وثق بحثه في فيلم “ذرة رمل” الموسيقي المخرج البريطاني جايسون كارتر: موسيقي الفجري منحتني هوية “ما”

أوان – منصورة الجمري

مهما يكن من أمر مصداقية الروايات التي يوردها الموسيقى البريطاني جايسون كارتر في  فيلمه “ذرة رمل” Grain of Sand حول تاريخ نشأة وظهور موسيقى الفجري، ومهما تبلغدرجة دقة تلك الروايات أو عدمها، إلا أنه من الواضح تلمس كم الشغف الذي يحمله  جايسون لموسيقى لا تشبه أبداً الموسيقى التي اعتاد عزفها على أداة “الهايبر جيتار” التي يعشقها.

والحق فإن هذه ليست المرة الأولى التي تأخذ فيها موسيقى ثقافة وشعب ما،جايسون، بعيداً، ليحلق معها، يتتبع أصولها ويقتفي تاريخها، ثم ليدرس إمكانية مزجموسيقاه معها والخروج بتمازج ثقافي موسيقي جديد. فعلها في أفغانستان وفي باكستان وفي بعض دول روسيا، وهاهو الآن يفعلها في البحرين مكملا مشورا بدأه في الإمارات والكويت منذ أكثر من عقدين.

أبهرته أغاني الغوص التي سمعها أولا في الكويت، فغاص مع ألحانها، ثم إلتقاها في الإمارات العربية المتحدة، فوقع في حبها. وحين عاد ليلتقيها بعد عقدين في البحرين، اختلف الأمر. في البحرين، شغف جايسون بأغاني الغوص، بنوع واحد منهاعلى وده التحديد. كانت تلك موسيقى الفجري، وتجاوز الأمر الإعجاب بالفجري والرغبة في مزج موسيقاه بها، ليصل حد الرغبة في التعمق بالبحث عن أصولها، بالإطلاع على أساطيرها، وبفيلم توثيقي عرضه أخيرا ضمن برنامج ثقافي أقامته السفارة البحرينية في واشنطن أخيراً للتعريف بالثقافة والإرث البحرينين.

انبهر جايسون بثراء موسيقى الفجري، بعمق ألحانها، وبغموض نشأتها، ليجد نفسه باحثا، مخرجاً سينمائيا وليس مجرد موسيقى. وهكذا جاء فيلم “ذرة رمل” التوثيقي، ليتتبع جايسون عبره سيرة الفجري، وليحاول الدخول وسط دائرة الغموض المثيرة المحيطة بهذه الموسيقى.   

في الفيلم يبحر جايسون مع موسيقى الفجري الشعبية البحرينية، يدرس تاريخها ويتعرف على بداياتها، يحضر جلسات فرقة لا تزال تعتز بها وهي فرقة شباب الحد البحرينية، ثم يشارك الفرقة بموسيقى الجيتار التي يعزفها هو وبموسيقى المؤلف الموسيقي البحريني أحمد الغانم.

“أوان” التقت جايسون للحديث عن فيلمه، وعما يملكه فن الفجري ليأخذه كل هذه المسافة نحو السينما.

“لم تكن موسيقى الفجري هي موضوع بحثي الأول”، هكذا أخبرني، ثمأكمل “انبهرت بأغاني الغوص حين كنت أعيش في الكويت ثم في الإمارات. ذهبت معها في رحلة بحث طويلة، لكنها توقفت لظروف معينة”.

كان عمر جايسون حينها لا يتجاوز الثالثة والعشرين وكانت تلك أول رحلة له خارج المنطقة الريفية التي ولد ونشأ فيها في إنجلترا، لكن ما وصفه بانفتاح شعب الإمارات وبساطتهم ومحبتهم للآخرين شجعه على أن يخطو تلك الخطوات نحو ثقافتهم. وحين استأنف جايسون رحلة بحثه تلك بعد توقف عقدين، تبدلت وجهة الرحلة، ووجد نفسه يخوض رحلة أخرى، رحلة قوامها العشق… عشق موسيقى الفجري.  

سألته عن سر هذا الانبهار بموسيقى لا تمت لموسيقاه بصلة ثقافية ما، فأخذني برده لما قبل خمسة أعوام من الآن “الفيلم بالنسبة لي هو رحلة وتجربة عميقة مثرية، بدأت بفكرة واتتني بعد وفاة والدتي عام 2013. كان ذلك وقتاً صعباً جدابالنسبة لي، وكنت وقتها أعيش مرحلة انتقالية أبحث خلالها عن مشروع موسيقي جديد”.

جال جايسون العالم بأداته الموسيقية (الهايبر جيتار)، زار دول عديدة، تعرف على ثقافاتها الموسيقية، درس تلك الموسيقى، تعرف عليها، أحبها، ومن ثم مزج ألحانه بألحانها ليخرج بألوان موسيقية مختلفة. توقفت رحلة جايسون بعد وفاة والدته، ولبعض الوقت استقر في فرنسا، وبدا وكما لو أنه ينطلق في رحلة مختلفة، رحلة وجد نفسه يبحث فيها عن هويته.

بعد وفاة والدته التي كانت قريبة منه إلى حد بعيد، بدا كل شيء مختلف في نظري، ووجد جايسون نفسه في مواجهة خاسرة مع الحزن والأسى، ووسط كل ذلك شعر بحنين وصفه بأنه (غامض) لأغاني الغوص الخليجية.

“بعد عودتي مباشرة من جنازة والدتي، وجدت بنفسي حنينا لأغاني الغوص الخليجية. سارعت للاستماع إليها، كانت ألحان فرقة إماراتية”. 

حينها، يضيف جايسون “وجدت أنني لا أزال أحمل انبهارا بهذه الموسيقى ولا تزال ألحانها تأسرني. أخذتني الموسيقى لمكان آخر، وبدأت أفكر في أمور عديدة من قبيل أنني يتيم وأنني طفل تم تبنيه، وفي الواقع، فإن هويتي غير واضحة بالنسبة لي. كما وجدت أن العناصر الثقافية القديمة تجذبني بشكل لا استطيع تفسيره وتمنحني ما لا أملكه. إنها تمنحني هوية ما”.

ويوضح “على أية حال، انفتاحي على الموسيقى ليس جديدا ولعله هو ما حافظ على توازني النفسي دائماً. كما ان انبهاري بأغاني الغوص وبالثقافة الخليجية ليس أمراً جديداً، فقد ملكني شعور غريب منذ زيارتي الأولى للخليج عام 1993. أذهلني سحرالمكان إذ كان تراث الخليج وثقافته واضحين بشدة حينها، وكان الأمر يبدو كما لو أن الزمن يعود إلى الوراء بمجرد أن تحط أقدامك على أي أرض خليجية”.

ثم يكمل “هكذا ومنذ تلك اللحظة، أصبح موضوعات الهويات شغلي الشاغل،وبدأت أفكر في هذه المفردة على وجه التحديد. الهوية كلمة ذات دلالات كثيرة ومضامين عميقة، وهي أمر لا يمكننا تجاوزه على المستوى الفردي، والجمعي، أو على مستوى المجتمع الأصغر والأكبر وصولا إلى المجتمع العالمي”.

وعن علاقة ذلك بالموسيقى، قال “يمر العالم اليوم بمرحلة انتقالية حاسمة وكبرى، وهو ما ينتج حالة من عدم الإتزان ويؤثر على إحساس الأفراد من مختلف الثقافات بهوياتهم. من وجهة نظري فإن الموسيقى والفن هي أحد أكثر الأدوات قوة وقدرة على تغيير الأجواء، لا أزعم أنها تغير العالم لكن يمكن لها أن تغير شخصياواحدا يمكن له أن يحدث فرقا في العالم. أؤمن بقدرة الموسيقى على تغيير الناس وعلى تغيير أولئك الذين يملكون النفوذ والقادرين على احداث التغيير في مجتمعاتهم. ونحن كفنانين إذا فهمنا قوة الفن الذي نقدمه وقدرته على التغيير فسوف نكون قادرين على احداث التغيير”.

بحثا عن هويته واستجابة لذلك الشعور الغامض الذي تحرك بداخله لحظة سماعه أغاني الغوص الخليجية، قرر جايسون العودة إلى الخليج للغوص في أغانية والبحث بشكل أكبر عبر فيلم هذه المرة وليس مجرد وصلة موسيقية مشتركة.

حين عاد فوجئ بما لم يكن في الحسبان. ويوضح ذلك قائلا “في الحال قفزت في ذهني فكرة العودة إلى، الإمارات، دبي التي أعرفها جيدا، قررت البحث في تلك الموسيقى لأتعرف عليها ولأجد نفسي”

لم تكن دبي عام 2013 هي دبي عام 1993، تغيرت وتيرة الحياة بشكل سريع جدا في دبي، ولم تعد الملامح الخليجية واضحة في المدينة. قرر الانتقال إلى أبوظبي، لكن الحال سواء “وجدت دبي، كما أبوظبي، وقد فقدتا شيئا من خصوصيتهما الثقافية. من المستحيل أن تصمد أي ثقافة في العالم أمام التطورات التي تحدث بسرعة كبيرة، دون أن تخسر تلك الثقافة شيئا ما، في الواقع تأتي هذه التطورات على حساب ارتباط الأفراد بتراثهم وثقافتهم الأصيلة”.

ويواصل “لا يمكننا فصل الأفراد عن تراثهم الثقافي لأننا بذلك نفصلهم عن هوياتهم. تغير الإماراتيون بفعل ذلك التغير الهائل الذي طرأ على مجتمعاتهم،أصبحوا يملكون منازل جميلة وسيارات فارهة ووظائف مرموقة لكن أمراً ما أصبح مفقوداً لديهم”.

“فعلت ما بوسعي لينجح مشروع الفيلم في أبوظبي بل إنني أقنعت شبكات إعلام عالمية لتغطي الموضوع باعتباره فيلم يعزز الحوار ويمد الجسور بين الثقافات، وبالفعل حصلت على اهتمام شبكة السي ان ان، لكنني بعد شهور من العمل، وجدت أنني غيرقادر على اتمام الفيلم بسبب فقدان الروح الخليجية التي لمستها في التسعينات”.

فشل مشروع جايسون، وأحبط في تحقيق ما وصفه بـ “أفضل فكرة واتته في حياته”، لكن لقاءا عابرا مع صديقة مقيمة في البحرين، تم في شهر يونيو 2016،غير مجرى الأمور. اقترحت صديقته تصوير الفيلم في البحرين، أخبرته أن البحرين لاتزال تملك شيئا من ذلك  السحر الذي يعرفه جيداً.  

يقول جايسون “في البحرين التقيت بليديا مارتين، وهي خبيرة موسيقية حضرت رسالة الدكتوراة حول موسيقى الفجري”.

اصطحبته ليديا إلى فرقة شباب الحد، وحينها بدأت قصة جديدة. وسط الأغاني التي كانت الفرقة تغنيها، وجد جايسون انجذاباً خاصاً، بل شغفا، لموسيقى من نوع مختلف. كانت تلك الفجري، الموسيقى التي ستستأثر بشغف جايسون.

حين سألته عن سر ذلك الشغف، قال “بدأت أميز بين أغاني الغوص المختلفة،وألاحظ الجو الذي تشيعه موسيقى الفجري بشكل خاص، وكيف تنقل أعضاء الفرقة إلى جو آخر، مختلف تماماً، بمجرد أن تحضر”.

أحب جايسون موسيقى الفجري ووجد أنه سيكون قادرا على مشاركة الفرقة في عزف ألحانها،ثم أبهرته أكثر حين تعرف على أصولها وتاريخها بدءاً بالأسطورة التي تدور حولهاوانتهاءا بروايات تاريخية أخرى تتعلق بها.

يقول جايسون “هنالك قصة شعبية تتحدث عن أصول الفجري وتدور حول ثلاثة من غواصي اللؤلؤ من المحرق زاروا ساحل أبوصبح في الدراز، وحين أقتربوا من مسجد أبوصبح سمعوا صوت لحن موسيقي يأتي من وراء المسجد، وكان أولئك الجن يعزفون ألحان الفجري”.

أما الرواية التاريخية التي استمع إليها جايسون وتبناها، كما يبدو، فتفيد بأن موسيقى الفجري جاءت أصلا من موسيقى مسيحية دينية، كانت تعزف قديما قبل تحول البحرين إلى الإسلام، وتشير إلى أن المسيحيين في البحرين ممن أرادوا حماية ثقافتهم بدءوا يعزفونها بشكل سري، ثم تطور الأمر فأصبحت هذه الموسيقى والأغاني تستخدم كأغان وموسيقى للغوص.

جايسون أضاف بأن ما يميز العازفين البحرينين لهذه الموسيقى الشعبية، عن سواهم، هو اعتزازهم بتراثهم الموسيقي، وعدم خجلهم من التحدث عن هذا الجزء الأصيل في ثقافتهم.

عدت لسؤال جايسون عن الكيفية التي يرى فيها الموسيقى معززة للهويات محافظة عليها، فقال “يمر العالم اليوم بمرحلة انتقالية حاسمة وكبرى، وهو ما ينتج حالة من عدم الإتزان ويؤثر على إحساس الأفراد من مختلف الثقافات بهوياتهم. من وجهة نظري فإن الموسيقى والفن هي أحد أكثر الأدوات قوة وقدرة على تغيير الأجواء، لا أزعم أنها تغير العالم لكن يمكن لها أن تغير شخصا واحدا يمكن له أن يحدث فرقا في العالم. أؤمن بقدرة الموسيقى على تغيير الناس وعلى تغيير أولئك الذين يملكون النفوذ والقادرين على احداث التغيير في مجتمعاتهم. ونحن كفنانين إذا فهمنا قوة الفن الذي نقدمه وقدرته على التغيير فسوف نكون قادرين على احداث التغيير”.

أما عن أهمية تصوير فيلم حول موسيقى الفجري لتعزيز الهويات فيقول “أهمية فيلمي تأتي من تأكيده على أنه في ظل حالة عدم الإتزان التي يمر بها العالم وتأثيرها الكبير على الهويات الفردية، يأتي الفيلم ليقول أنك إذا أردت أن تتعرف على الآخرين فما عليك سوى أن تتحدث إليهم، وهذه المنطقة، أٌقصد منطقة الشرق الوسط، حصلت على تغطية اعلامية سيئة بشكل كبير في السنوت الأخيرة منذ أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من جرائم داعش”

يشير جايسون إلى أن فيلمه سيكون بمثابة اقتراب من الثقافة الأصيلة لدول الخليج وسيكون كفيلا بنقل صورة مختلفة عن تلك الصورة الشائعة في الإعلام العالمي، لكنه يؤكد “لا أزعم أن الفيلم سيكون توثيقا رسميا لتاريخ أغاني الغوص ولكنه توثيق لرحلتي الشخصية في ثقافة الخليج وإدراكي لأهمية هذه الرحلة لمد جسور الحوارالثقافي”.

 

 

https://www.awanbh.com/single-post/2018/11/20/وثق-بحثه-في-فيلم-ذرة-رمل-الموسيقي-البريطاني-كاتر-موسيقي-الفجريمنحتني-هوية-ما-1

 

 

 

 

 

 

في أول أفلامه الروائية “على معزة وإبراهيم” المخرج شريف البنداري يغير صورة إبن الحارة المصرية ويرتقي بذائقة الجمهور

أوان – منصورة الجمري

علي_معزة_وإبراهيم

بتتبع فيلموغرافيا المخرج المصري الشاب شريف البنداري، يمكن بوضوح ملاحظة “انجذابه الشديد” لفكرة تقديم أفلام الطريق Road Movies  وذلك بدءا من فيلمه القصير “حظر تجول” الذي كان أحد الأفلام التي تضمنها فيلم “18 يوم” وصولا إلى فيلمه التوثيقي “في الطريق لوسط البلد” الذي ناقش فكرة مميزة تتمثل في تغير علاقة الأشخاص بالمكان، ثم فيلم “حار جاف صيفا” الذي تدور حوادثه بين عدة مدن مصرية، وانتهاءًا بفيلمه الروائي الطويل الأول “على معزة وإبراهيم” وهو موضع حديثنا في هذا المقال.

ومثل كل أفلام البنداري، فإن فيلم الطريق الطويل هذا، وأعني فيلم “علي معزة وإبراهيم” يبدو منذ الوهلة الأولى مختلفاً عن أي من الأفلام المصرية التي يمكن إدراجها تحت فئة أفلام الطريق، حتى عن تلك التي قدمت على يد مخرجين كبار وشكلت علامات مهمة في تاريخ صناعها أو في سيرة أبطالها من فنانين أو كتاب أو فنيين، نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر، فيلم “أربعة في مهمة رسمية” للمخرج علي عبدالخالق وفيلم “ليلة ساخنة” للمخرج عاطف الطيب. ولا أزعم أن فيلم البنداري أكثر تميزاً من تلك الأفلام،  لكن يمكنني الجزم بكل بساطة بأنه فيلم مختلف، طرحاً وأسلوباً، وروحاً قبل كل ذلك. ربما لكونه فيلماً فانتازياً على عكس ما اعتدناه من واقعية أفلام الطريق في السينما المصرية، والذي تتضح فانتازيته في عدة أمور وتفاصيل في الفيلم بدءا من الحب الذي يجمع بين علي ومعزته وإيمانه بقدراتها الخارقة ثم تفشي ذلك الإيمان والقناعة بين أهالي الحارة، وصولا لتوظيف إبراهيم (بطل الفيلم بعد علي ومعزته) لأصوات تملأ رأسه من أجل تعديل مسار بعض الأمور في عدد من مشاهد الفيلم.

بطل الفيلم هو علي “يقوم بدوره الفنان المسرحي علي صبحي” إبن الحارة الشعبية، البسيط في تفكيره العفوي في انسانيته، الذي يقع في حب معزة لأنه، بكل بساطة، يعتقد أنها منحت له من الله كتعويض عن خطيبته ندا التي فقدها بعد سقوطها من فتحة في أحد جسور القاهرة، ما يجعل منه سخرية وأضحوكة في الحارة، ويدفع بأمه لأخذه إلى معالج روحاني يقترح عليه القيام برحلة لرمي حصى مباركة في ثلاثة مسطحات مائية تقع في محافظات مصرية مختلفة.

لدى زيارته المعالج الروحاني، يلتقي بإبراهيم (يقوم بدوره أحمد مجدي) الذي يلجأ هو أيضا للمعالج ذاته بعد مرور بحالة إكتئاب تلازمه تتسبب فيها أصوات غامضة تملأ رأسه وتعوقه من مواصلة شئون حياته بل وتقوده إلى موت محتوم لاقته والدته قبله.

بطل الفيلم الثالث هي ندى، معزة علي وخطيبته، التي يؤمن علي إيمانًا تامًا بكراماتها التي لا تعد ولا تحصى، ما يجعل منه بداية أضحوكة لدى أهالي الحي، لكنهم جميعا ينتهون بالتسليم بتلك الكرامات مشاركين علي ذات القناعة حين تتبدل حوادث الفيلم ويحصل ما لم يكن في حسبان أي أحد.

ورضوخًا لضغوطات والدة علي، يقرر الأخير الاستجابة لنصيحة المعالج الروحاني واصطحاب ندا في رحلة عبر محافظات مصر لإلقاء حصى “لها قوة خاصة” في مسطحات مائية ثلاث اقترحها المعالج. ينضم إبراهيم لعلي، ويقرر البنداري توثيق تلك الرحلة الحافلة وأخذنا معه لنعيش تفاصيل  شيقة ومختلفة.

ولن تكون تلك الرحلة التي يقوم بها بطلا الفيلم هي ما يجعل من الفيلم فيلماً من أفلام الطريق، وحسب، لكننا منذ البداية نجد أنفسنا على الطريق، نلازم علي أولا، ونعيش معه تفاصيل يومه، هو وصديقه كاماتا (يقوم بدوره أسامة أبوالعطا)، ثم ننتقل إلى إبراهيم لنتعرف أيضا على حياته وسط الطريق، ونلازمه منذ طرده من مكان عمله حتى وصوله إلى منزله في ذات الحارة التي يعيش فيها علي الملقب بعلي معزة.

كذلك، فإن الفانتازيا في الفيلم ليست هي ما يجعله مختلفاً وحسب، لكننا سنجد عوامل أخرى عديدة بدءًا من القصة التي ستطرح بشكل لا يشبه ما هو سائد في معظم الأفلام المصرية، وصولا لحقيقة إن صانع الفيلم لم يلجأ أبداً لاستدرار عواطف جمهوره ولم يضمن فيلمه أي مشاهد تتضمن ابتزازًا عاطفيًا للجمهور، سواء في استعراضه لوضع علي العقلي والنفسي أو في تفصيله لحالة إبراهيم ومعاناته مع الأصوات التي تسكن رأسه والتي تسير به نحو نهاية محتومة.

في المقابل لا يجعل الفيلم من أبطاله أضحوكة، فهو ليس فيلما كوميديًا ينتزع الضحكات من مشاهديه على حساب وزن وثقل الشخصيات، لكنه بدلا من ذلك يجعل تلك الشخصيات الهامشية البسيطة العفوية تتخاطب بمنطق ينتج حوارات تتضمن كثيرا من الاسقاطات السياسية والمجتمعية، مستخدمين لغة تهكمية عالية. لن يسخر الفلم من علي ومن بساطته وخفة عقله، لكن البنداري يؤكد عبر مشاهد وحوارات عديدة تأتي على لسان علي، على أن هذه الشخصية ليست مغفلة أو معتوهة كما تبدو، ربما يكون علي ساذجًا نوعًا ما وبسيط العقل وعفويًا أكثر مما ينبغي لكنه بكل تأكيد … ليس غبياً.

وكما لن يستدر فيلم (علي معزة وابراهيم) عواطف المتفرجين، ولن يجعل من نفسه ومن أبطاله أضحوكة، فإنه في المقابل سيبهرنا بمواقفهم، ثم سيعود ليخفف درجة الانبهار تلك، حين تصدر من تلك الشخصيات مواقف تكسر انبهارنا بهم، فهم بشر عاديون في نهاية المطاف. البنداري سيجعلنا نقف من الشخصيات موقفاً محايداً، فعلي ليس مغفلا تماما وليس طيبا جدا، لذلك فما أن تبدأ في التعاطف معه حتى يقرر البنداري أن يجعلك تأخذ خطوتين إلى الوراء، تراجع فيها حساباتك من شخصيته وتترك بينك وبينها مسافة.

كذلك لم تكن نور وإسمها الآخر أو الحقيقي صباح (تقوم بدورها الفنانة ناهد السباعي) ضحية بالمعنى الحقيقي، وهي التي إلتقاها علي وصديقه كاماتا تصرخ في سيارة أجرة طالبة النجدة، أنقذاها معتقدين أنها ضحية حادث اختطاف بغرض الاغتصاب ليجدا بعدها أن الأمر لم يكن سوى حالة عدم اتفاق بين زبون و”فتاة ليل”.

لكن فيلم البنداري الذي يرفض السخرية من أبطاله، يتضمن في مقابل ذلك نبرة تهكم عالية، تبدو واضحة في جعل “المعزة ندى” بطلة فيلمه ونجمة تظهر في معظم المشاهد، وكذلك في تبني قناعة “علي” وإن بشكل تهكمي، في جعلها معزة غير عادية قادرة على التنبؤ بمواقع الخطر وحماية علي منها.

يأتي التهكم أيضا في تصوير الفيلم لبعض الشخصيات كشخصية الضابط التي تظهر في مشهد واحد في الفيلم والتي تبدو على درجة عالية من السادية (يؤدي دوره آسر ياسين). هذا الضابط الذي يصاب بنوبة سادية تجعله يوجه طعنات متتالية لبطن “دبدوب” ابتاعه علي لخطيبته ندى في عيد ميلادها، فيمزق أحشاء الدبدوب بحثًا عن مخدرات مزعومة، يغفل عن ملاحظة فتاة مختطفة تصرخ مستنجدة بالشرطة فيما يحاصرها أربعة شباب في وسط سيارة تمر مسرعة أمام نقطة التفتيش.

علي-معزة1

يختلف فيلم البنداري أيضا عن سواه من أفلام السينما المصرية في قدرته على جعل المتلقي (غير المصري على الأقل) يغير وجهة نظره من الشخصية التي تأتي من الحارة المصرية، على أقل تقدير، فهي ليست شخصية انتهازية لا تكترث للأخلاق والقيم. يخرج فيلم البنداري شخصية إبن الحارة المصرية الفقيرة من قالب نمطي لطالما ظلمتها السينما المصرية بوضعها فيه. تبرز هذه الشخصية في فيلم (علي معزة وابراهيم) في قالب جديد يمثله كاماتا، الذي لم يستغل حقيقة نور ولم يحاول استغلالها جسدياً بعد أن أنقذها لكنه يقرر اقناعها بالعودة إلى جادة الصواب ثم يتزوجها، رغم ما يفعله المخرج حين يوهمنا في أحد المشاهد بأن كاماتا قد تجاوز حدوده مع نور. بشكل عام يجعلك الفيلم تحترم جميع الشخصيات المعتادة في السنيما المصرية ويغير موقفك منها.

يغير الفيلم أيضا النظرة للفيلم الذي يسميه البعض فيلما مستقلا أو ذلك المصنوع بحرفية فنية عالية والذي لا يغازل شباك التذاكر، إذ يثبت أنه يمكن لهذه النوعية من الأفلام أن تأتي بنكهة تجارية فتجتذب الجمهور ليحبها، لكنها لا تنزل بذائقة ذلك الجمهور معتمدة مبرر ذلك النزول بقاعدة “الجمهور اللي عاوز كده”. في المقابل، لا يترفع الفيلم على الجمهور العادي، غير المتخصص، بحجة كونه فيلماً فنياً يلتزم بالقواعد السليمة لصناعة المادة السينمائية الراقية، مع الوضع بعين الاعتبار الاتهامات التي وجهت للفيلم من قبل بعض النقاد، والتي تتهمه بالترفع على جمهوره في جعل اسقاطاته غير واضحة.

_640x_3bdc598f739862b7eb188e65e84e46b69c69455ed0cb81d51b63d8f1976883ee

أخيرا، تمكن البنداري من تقديم فيلم راقياً بوصفة سينمائية تحترم جمهورها وترتقي بذائقتهم السينمائية. قدم الهم المصري بأسلوب فانتازي وبلغة تهكمية راقية، وعبر فيلم عفوي جدا مختلف جدا في طرحه وفي اسقاطاته وفي مباشرته ولا مباشرته وفي لغته السينمائية.

 

https://www.awanbh.com/single-post/2018/09/03/في-أول-أفلامه-الروائية-على-معزة-وإبراهيم-شريف-البنداري-يغير-صورة-إبن-الحارة-المصرية-ويرتق

https://www.awanbh.com/single-post/2018/09/03/في-أول-أفلامه-الروائية-على-معزة-وإبراهيم-شريف-البنداري-يغير-صورة-إبن-الحارة-المصرية-ويرتق

أفلام قليلة وإبداع كبير… المخرج البحريني الشجاع محمد جاسم قاوم المرض بالإبداع حتى الرمق الأخير

mon-7منصورة الجمري

نهايات شهر يناير، كانون الثاني عام 2015 وفي أحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن، رحل المخرج البحريني الشاب ذو البصمة السينمائية المميزة بحرينيا وخليجيا وعالمياً، محمد جاسم محمد شويطر، وذلك بعد معاناة مريرة مع سرطان الغدد الليمفاوية. لم يتجاوز عمر محمد الأربعة والثلاثين عاماً، ولم يكن قد مر على بروز إسمه في عالم الإخراج أكثر من خمسة أعوام، لكنه سيرحل تاركاً إرثاً سينمائياً سيجعل أسمه باقياً في عالم الإبداع البحريني والخليجي على أقل تقدير. يتمثل ذلك الإرث في ستة أفلام مميزة جعلت الأنظار تتجه لموهبة بحرينية فذة، تنبئ لها كثيرون بمستقبل واعد.

لم يمهل الموت أحداً للتحقق من صدق تلك النبوءات، كان أسرع في اختطاف محمد، لكنه حين رحل، كان رصيده يتضمن أفلاماً مختلفة في نوعيتها وفي تصنيفها وفي مستوى تنفيذها، أبرزت موهبة مختلفة.

أنجز أربعة أفلام شاهدها الجمهور، فيما لم يتم عمليات المونتاج لفيملين أضافيين حال المرض ومن ثم الموت دون إنجازهما. لكن ما سربه محمد قبيل وفاته، من مقاطع لهذين الفيلمين، يؤكد انه مخرج أفلام أنيمشين وأفلام أخرى ذات رسالة إنسانية راقية، يحمل الكثير من التميز والإبداع والقدرة على تطوير مهاراته وقدراته بشكل سريع.

تألق محمد وبروز اسمه جاء بعد اكتشافه مرضه، أو قبل ذلك بقليل جداً، إذ إنه وحين قرر مخرج الغرافيك أن يتجه إلى عالم الإخراج، باغته المرض. صور فيلمه الأول “سلاح الأجيال” The Power of Generation  بدايات عام 2010، وتماما في منتصف العام نفسه، اكتشف اصابته بسرطان الغدد الليمفاوية.

وكما هي مميزة ومختلفة وفذة تلك الموهبة التي حملها، كذلك كان مرضه نادرا غريبا وفتاكاً. «الهودجكن»  Hodgkin  كان اسم مرضه وهو ورم دم ليمفاوي خبيث يندرج تحت قائمة الأمراض السرطانية.

صارعه محمد لسنوات طويلة، هزمه مرة بعد أخرى، وحتى حين تمكن المرض منه، أبى محمد الاستسلام فظل مقاوماً آلامه تلك حتى الرمق الأخير. ظل منكباً على أفلامه حتى آخر نفس، ورحل بعد أن أتم تصوير آخر فيلمين من أفلامه، فيما لم يتمكن من اتمام عملية مونتاجها. وربما تسبب مرضه بتدمير خلايا جسده، لكن معاناته مع ذلك المرض ولّدت موهبة فذة ومميزة، ومخرجاً بارعاً متخصصاً في أفلام الأنيميشن القصيرة.

تستحق رحلة محمد، الذي سأطلق عليه لقب المخرج الشجاع التوقف عندها وعند الأفلام التي أنتجتها، على الأخص أفلام الأنيميشين التي صنعت اسمه وابرزته بل وأكسبته مختلف الجوائز والإشادات والتكريمات في مختلف المهرجانات العربية والدولية.

الرحلة الأولى: سلاح الأجيال

“السلام: سلاح الأجيال”، كانت تلك هي أولى الأفكار التي أراد محمد أن يقدم نفسه بها للجمهور، وكان الفيلم الذي سيحمل الاسم نفسه هو الأول الذي سينطلق به المخرج الشاب في عالم الإخراج. كان فيلماً تجريبيا، لفت الأنظار لموهبة بحرينية جديدة ستكون ذات شأن لا يستهان به قريباً.

ظروف تصوير وإنتاج هذا الفيلم كانت استثنائية للغاية، لم يكن محمد ينوي تصوير فيلم. كان محمد يرغب في تقديم صورة فوتوغرافية ينقل عبرها فكرة السلام الداخلي الذي يعيشه الإنسان والذي يعتبر بمثابة سلاح في وجه الحروب والكراهية والصراعات البشرية وحتى الكوارث الطبيعية.

أراد محمد أن يجد السبيل الأمثل لنقل تلك الفكرة للمتفرج، ودمج فكرتي الحرب والسلام في صورة فوتواغرفية واحدة، لكنه فجأة وجد نفسه أمام فكرة تحويل الصورة إلى فيلم.

من هنا جاء هذا الفيلم التجريبي الذي لم تتجاوز مدته الدقيقتين ونصف الدقيقة، ولم يضم سوى مشهد واحد يظهر فيه ممثل واحد يجلس صامتاً على كرسي خشبي وسط طريق خال من أي حياة، متأملا كل ما يمر أمام عينيه من صور لحروب وكوارث عديدة، أبدع محمد في تقديمها بتقنيات الجرافيك التي يبرع فيها.

01396517959

صور محمد فيلمه في شهر مارس آذار 2010، وقع اختياره على الفنان يحيى عبدالرسول ليقوم بالدور الوحيد في الفيلم. ولأن محمد معتاد على رسم كل مشاهده وأفكاره وتخطيطها على الورق، فقد تخيل شخصية عبدالرسول قبل اختياره، ذكر لي في مقابلة أجريتها معه في أكتوبر 2011  أنه تخيل الفنان بجسمه وبالقبعة التي يرتديها بمجرد أن بزغت فكرة الفيلم في ذهنه، ووجد أنه يمتلك وجهاً مناسباً لكل الثقافات ولا يرمز لأي عرق.

كان هذا أمراً مهما لمحمد، إذ لم تكن أفلامه موجهة يوما لأي ثقافة، وكان مهما بالنسبة إليه أن يناقش عبرها موضوعات وقضايا إنسانية جامعة يمكن التقاطها والتفاعل معها من قبل أي جمهور.

تم تصوير الفيلم على مدى يوم كامل في منطقة الصخير، وبعدها لم يتمكن محمد من إتمام عمليات مونتاج الفيلم، كان مضطرا للسفر إلى الأردن لحضور دورة تدريبية في مجال الغرافيك تم إبتعاثه لها من قبل مكان عمله لمدة ثلاثة شهور.

بمجرد وصوله إلى الأردن في شهر يونيو/حزيران 2010، داهمته آلام مفاجئة في مواقع مختلفة من جسده. زار الطبيب ليطمئن باله، لكنه اكتشف اصابته بورم سرطاني في الغدد. كان ذلك هو المرض النادر الذي سيتعرف عليه جاسم بإسم “الهودجيكنغ”. مرضه النادر سوف يشبه موهبته النادرة وإصراره النادر على العطاء والإبداع حتى اللحظة الأخيرة.

كان على محمد جاسم أن يخضع لجلسات علاج كيماوي في الحال. كان ذلك يعني خسارته للدورة التي يفترض إلتحاقه بها، ويعني كذلك توقف عمليات مونتاج فيلمه.  قرر محمد أن يؤخر علاجه ويتمم عمله على الفيلم. حذره الطبيب من أن ذلك قد يؤدي إلى حدوث تضخم في الورم، لكنه قبل المجازفة.

بدأ العلاج الكيماوي في نهايات شهر أكتوبر/تشرين الأول 2010، وفي الوقت الذي كان يتلقى جرعات العلاج الكيماوي بمعدل مرة كل أسبوعين. كان يعمل على إتمام مونتاج فيلمه. كان محمد يستغل فترة الراحة بين الجرعات، وهي التي لا تتجاوز الثلاثة إلى أربعة أيام ليواصل العمل على فيلمه.

في أكتوبر 2011، أخبرني محمد حين أدهشتني شجاعته تلك “كان لدي متسع من الوقت، كنت أتألم كثيراً في هذا الوقت وكان علي أن أواجه ذلك الألم”.  رفض محمد الاستسلام لآلامه تلك، وخلال شهرين ونصف أنجز الفيلم، واقتنع تماما بقدرته على ايصال الفكرة كما تخيلها بداية، والتي تدور حول السلام باعتباره السلاح الوحيد الذي يحفظ الأجيال.

رغم ذلك، ما كان محمد ليتقدم بفيلمه لأي مسابقة في أي مهرجان كان. لم يكن يريد سوى ايصال رسالته، لكنه فعل ذلك بعد أن أقنعه الكاتب والسيناريست، الداعم دائما للشباب، فريد رمضان، بإرسال الفيلم لمهرجان الخليج السينمائي.

لم يقبل المهرجان الفيلم متنافساً في مسابقته الرسمية وحسب، بل إنه منحه جائزته الثالثة لأفضل فيلم خليجي في دروته الرابعة. حين حضر المهرجان لإستلام جائزته في شهر أبريل 2011، إلتقاه مدير المهرجان الفني السينمائي المعروف بدعمه للشباب أيضا مسعود أمرالله علي، ربت على كتفه وقال هذه هي نوعية الأعمال السينمائية التي نريدها”. لا يقدم أمر الله الإطراء مجاناً أو بشكل عشوائي، هو قليل الكلام، لا يجامل في موهبة ولا يبخس الآخرين حقهم.

كانت تلك بداية سلسلة نجاحات للفيلم الذي كتبه محمد وأخرجه وأنتجه، وسوف تشمل تلك النجاحات مهرجانات عربية ودولية كثيرة، سينال الفيلم فيها جوائز عديدة وسيرشح لأخرى. بعد 11 شهراً، سيحقق الفيلم نجاحاً استثنائياً حين يحصد جائزة أفضل فيلم ميكس ميديا أجنبي BEST FOREIGN MIXED MEDIA من مهرجان العائلة للأفلام  International Family Film Festival  الذي يقام بشكل سنوي في لوس انجولس، وذلك في دورته 17 التي أقيمت في شهر مارس/آذار 2012.

ستكون تلك الجائزة الأكثر أهمية لمحمد بسبب شهرتها العالمية وأهمية المهرجان الذي منحه إياها، سينال أيضا جائزة التميز Award of Merit  للأفلام التجريبية في مسابقة Best Shorts Competition   في الولايات المتحدة الأميركية عام 2014.

سيشارك الفيلم بعدها في عدد من المهرجانات العربية والدولية، متنافسا مع أفلام من جميع أنحاء العالم ضمن مسابقات هذه المهرجانات الرسمية، وتتضمن هذه المهرجانات والمسابقات: مهرجان نيويورك الدولي للأفلام New York City International Film Festival  عام 2013، مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان عام 2012 في الأردن، مهرجان SIGGRAPH Asia لأفلام الانيمشين Computer Animation Festival  عام 2012، مهرجان الأفلام القصيرة جدا الدولي Very Short International  Film Festival  في باريس عام 2012 ، مهرجان الفيلم الشرقي الدولي International Oriental Film Festival   في جنيف عام 2012، مهرجان سول الدولي للأفلام القصيرة جدا Seoul international Extreme-Short Image & Film Festival في كوريا عام 2011، مهرجان كازان الدولي للسينما المسلمة Kazan International Festival of Muslim Cinema   في روسيا عام 2011، مهرجان CutOut Festival في المكسيك عام 2011، مهرجان بيروت الدولي للأفلام عام 2011،  مهرجان بغداد الدولي للأفلام  في دورته الثالثة عام 2011، مهرجان الأفلام العربية الأوربية الدولي “أمل” The International Euro-Arab Film Festival Amal في أسبانيا عام 2011، مهرجان دبي السينمائي الدولي الثامن عام 2011، مهرجان مالمو للسينما العربية عام 2011، ومهرجان معهد جوتيه في القاهرة Goethe-Institute Kairo  في قسم الأفلام العربية القصيرة عام 2011 .

هذا الفيلم شهد وحدد تحول فني الغرافيك المغرم بالتفاصيل إلى مخرج مختلف يلفت الأنظار لموهبته ويحقق الجوائز منذ أول أفلامه. عمل محمد في مجال التصميم الغرافيكي الرقمي ثلاثي الأبعاد لأحد عشر عاماً تقريباً قبل أن يتوجه إلى الأفلام. نفذ عدداً من الإعلانات التلفزيونية والفواصل، وعمل في مونتاج وغرافيك بعض الأفلام القصيرة ومقدمات المسلسلات.

كان عمله في المونتاج مختلفاً، وكانت مقدماته وفواصله مغايرة، إذ لم تكن تحمل أي من آثار الأعمال العربية، كان متأثرا إلى حد كبير بسينما هوليوود، وبإبهارها البصري وتقنياتها الغرافيكية. وحين وجد في نفسه الرغبة والتمكن من الإخراج، لم يتجه للدراما العادية، أراد أن يبدع في مجاله، فإختار الأعمال المشبعة بالمؤثرات البصرية والأنيميشين.

حتى أسلوبه في التجهيز لأعماله كان مختلفاً عن نظرائه من المخرجين الشباب، كان يرسم مشاهده وشخصيات وكان يرى ذلك أمرا ضروريا ولازما لنجاح أي مشهد يصوره سواء في فيلم أو في مقدمة أو فاصل تلفزيوني.

ذكر مرة أهمية ذلك الرسم قائلاً بأنه حتى لو جهز المخرج كل أدواته قبل التصوير، فقد يحدث له بعض الإرباك بعد بدء التصوير. كان يرى بأن الطريقة المثلى، المتبعة في هوليود، هي أن يقوم المخرج بعمل ستوري بورد يرسم فيها المشاهد، بعد أن يقوم بتصوير موقع التصوير ومن ثم ترتيب الأشياء وتحديد التفاصيل بدقة.

كان محمد يرى أن ذلك يساعد المخرج على أن يقدم خيالا أوسع وإبداعا أكبر ويمكنه من إتقان أي مشهد، خصوصا وأن مهمته كمخرج كما كان يشير  دائما ليست  في تنفيذ السيناريو بل في إحيائه بفنه ومخيلته.

مخرج النوعية التي يقدمها محمد على وجه الخصوص، يجب أن يمتلك مقدرة أكبر على الإبداع وخيالا أوسع، وبحسب ما قاله محمد في لقائي به عام 2011، يجب أن يكون مخرج هذه الأفلام قادرا على خوض تجربة التكنيك، مدركا تماما لماهية هذه النوعية من الأفلام مسلحاً بالثقافة والمعرفة اللازمة حول هذه النوع من الأفلام ومستعداً لأن يشارك في كل تفاصيل العمل بعد الإلمام بها، والتفاصيل التي عناها محمد هي أن يكون على دراية بشئون المونتاج أو استخدام المؤثرات الصوتية أو الغرافيك

هذا ما فعله محمد في فيلم “سلاح الأجيال”، اهتم بكل التفاصيل حتى الصوت وصولا إلى الموسيقى التي استعان فيها بالموسيقي علاء الوردي لتكون مناسبة لفيلمه معبرة عن فكرته بشكل دقيق.

حياة شخص… واقعي ذو رسالة إنسانية

عام 2012 شفي محمد نسبياً من مرضه، فتوجه لفيلمه التالي. هذه المرة أراد أن يصور فيلما واقعياً، يقدم رسالة إنسانية مختلفة، يناقش من خلالها هموم العمال الأسيويين ومعاناتهم مع الغربة وشقاء العمل وانخفاض اجورهم. هكذا جاء فيلمه الثاني “حياة شخص” A Person Life حول المصاعب الحياتية التي يمر بها  عامل آسيوي يعمل ويعيش في البحرين. كان فيلماً ذو رسالة إنسانية وجه محمد من خلاله دعوة لإحترام عمال النظافة تقدير جهود والإحساس بمعاناتهم.

لم يكتب للفيلم كثير من الانتشار، لكن رغم ذلك تم قبوله في المسابقة الرسمية لمهرجان نور للفنون Nour Festival of Arts في المملكة المتحدة عام 2013، وكذلك للتنافس على جوائز مهرجان بيروت الدولي للأفلام عام 2012.

الستوب موشن انيميشين

لكن محمد ذو الرؤية المختلفة، لم يكن ليجد نفسه في أفلام الدارما العادية وان كانت تحمل رسالة انسانية برقي تلك الرسالة التي حملها فيلمه “حياة شخص”. لذلك عاد إلى التجريب في عام 2012 نفسه، وقرر أن يخوضه هذه المرة من باب الأنيمشين.

“الستوب موشن أنيميشين” كانت هي التقنية التي أراد العمل عليها منذ فترة طويلة، شاركه ذلك الحلم صديق طفولته وقريبه ابراهيم البوعينين. قرر تحقيق الحلم فبدأ العمل على هذه الفكرة قبل عامين منذ تنفيذها الفعلي وتحويلها إلى فيلم. وهكذا هو محمد، على الدوام منشغل بمشاريعه، يعمل على أكثر من مشروع في آن واحد وكأنه يعرف أن القدر لن يمهله طويلا لتحقيق كل ما يريد ولإخراج كل طاقة الأبداع التي يملكها.

وكما فعل في أول أفلامه «سلاح الأجيال»، سعى محمد عبر هذا الفيلم إلى تقديم رسالة إنسانية عالمية أخرى. فكرته كانت حول النفط، وما يمكن أن يحدث في حال نضوبه. هكذا جاء “آخر قطرة نفط” The Last Drop of Oilوهو فيلم مصور بتقنية “الستوب موشن أنيميشين” Stop Motion  Animation   وهي تقنية يتم من خلالها تحريك الشخصيات بزوايا صغيرة جداً بين مشهد وآخر، ويتم تصوير المشاهد بشكل منفصل ثم يتم عرضها بشكل يعطي ايحاء بتحرك الشخصية. ومن أشهر الأفلام التي أعتمدت هذه التقنية فيلم كورالاينCoraline (2009)  وفيلم جثة العروس (Corpse Bride) (2005).

وخلال مدة لا تتجاوز الدقائق الست طرح الفيلم رسالته تلك من خلال الرحلة التي تقوم بها شخصيته الرئيسية وهي شخصية كرايبر (الزاحف)، الكائن الغريب الذي لا يمكن اعتباره انسان ولا آلة، وذلك في إشارة إلى البشر الذين يعتمدون على التكنولوجيا بشكل كامل، فتتوقف حياتهم حين يعجزون عن الوصول إليها، تماما كما يحدث لكرايبر الذي يعجز عن الوصول  إلى آخر برميل نفط في العالم، لينتهي الفيلم بشكل جعله محمد مفتوحاً تاركاً الأمر لتأويلات الجمهور.

المذهل في هذا الفيلم هو تمكن محمد من صناعة شخصيات فيلمه، وهي ثلاث شخصيات احتاج عامين كاملين لكي يتقنها. صنعها من مادة الفوم لايتكس وهي مادة سائلة يتم خلطها بعدد من المواد الأخرى لتتحول الى ما يشبه العجينة المطاطية التي يتم صبها في قوالب خاصة بالشخصية ووضعها في الفرن ثم يتم تشكيلها. صنع أكثر من خمسين شخصية، لكنه لم يستخدم منها سوى ثلاث شخصيات ظهرت في الفيلم. لم يصنع محمد تلك الشخصيات ليضمنها في الفيلم، بل للتدرب على صناعة الدمية الأفضل. صبره كان مميزا ورغبته في الإتقان كان مختلفة، لم يتعجل أي شيء رغم عمره القصير.

استغرق تصوير الفيلم شهراً ونصف الشهر، كان لابد من تجهيز الدمى وتحريكها في جميع الأوضاع، ومن ثم تصويرها بالشكل الذي يجعل حركتها طبيعية. تطلب الأمر صبراً ومثابرة، وكان محمد خير من يقوم بذلك، تعود الصبر أثناء مرضه وأثناء تلقيه جلسات العلاج الكيماوي.

بلغ عدد الصور «الأطر» في الفيلم 3300 صورة (إطار)، واستمرت عملية تصوير هذه الأطر أسبوعين متواصلين كان العمل يتم خلالهما على مدى 24 ساعة. صنع محمد مسرحاً تدور عليه الأحداث خلال يوم واحد، صور تلك الأحداث، ثم أتم عمليات المونتاج خلال شهر واحد.

بعدها قدم محمد فيلمه لمختلف المهرجانات، أثار الإنتباه في العالم العربي وفي خارجه. حصل الفيلم على جوائز عديدة، أهمها جائزة أفضل فيلم أنيميشين في المهرجان الدولي لأفلام العائلة International Family Film Festival في لوس انجلوس عام 2012. كما حصل الفيلم على جائزتين أخريين هما جائزة التميز Award of Merit لأفضل فيلم انيميشن من مسابقة اكوليد كومبيتشن Accolade Competition في كاليفورنيا عام 2014، والمركز الأول لأفضل فيلم قصير من مهرجان رأس الخيمة للفنون البصرية في دورته الثانية عام 2014.

بالإضافة إلى ذلك شارك الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان سول الدولي الرابع للأفلام والصور القصيرة جدا في كوريا عام 2012 Seoul international Extreme-Short Image & Film Festival، ومسابقة مهرجان كازان الدولي للسينما المسلمة Kazan International Festival of Muslim Cinema في روسيا عام 2012 ، ومسابقة مهرجان الخليج السينمائي في دبي عام 2012 . كما شارك في مسابقة Best Shorts Competition في الولايات المتحدة الأميركية عام 2014

بأفلامه تحدى “هودجكن”

في عام 2013 هاجم «الهودجكن» Hodgkin’s محمد ثانية. عاد للعلاج، لكن المرض كان أقوى هذه المرة. على رغم ذلك لم يستسلم محمد، هذه المرة بدا أكثر إصرارا وأكثر شجاعة. قرر أن يقاوم المرض بإبداع أكبر، أن تكون المواجهة ندا لند، قرر توثيق صراعه المرير مع الهودجكن عبر فيلم توثيقي، مرة اخرى مستغلا فترات النقاهة بين جلسات العلاج الكيماوي التي كان يتلقاها في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية، عمّان. وهكذا جاء فيلم «الهودجكن: كيف تجعل المرض صديقاً» العام 2014 ليشرح محمد من خلاله معاناته مع المرض أمام الكاميرا.

في فيلم (Hodgkin)، وهو آخر أفلامه التي عرضت، تحدث عن تجربته مع المرض وسرد معاناته معه وشجاعته في مواجهته. هذا المخرج المبدع بشكل مختلف… مختلف تماماً وضع للفيلم عنوانا فرعيا هو «كيف تجعل المرض صديقاً» جاء ليدلل على الروح المقاومة الوثابة التي يحملها محمد.

سرد الفيلم،  وهو وثائقي، خلال 45 دقيقة، معاناة محمد مع المرض، مستعرضا في الوقت ذاته مرض الهودجكن بشيء من التفصيل، وتاريخ اكتشافه ومحاولات علاجه.

أذهلت شجاعة المخرج الشاب لجان تحكيم المهرجانات التي شارك فيها فيلمه هذا فحصل على جوائز دولية وعربية أهمها جائزة التميز (Award of Merits) في مسابقة Best Shorts Competition  في كاليفورنيا عام 2014، وجائزتي التميز  Award of Excellence  لإفضل إخراج، ولأفضل فيلم توثيقي  في مسابقة اكوليد بالولايات المتحدة الأميركية Accolade Competition عام 2014، وجائزة فئة الفيلم المتوسط في الدورة العاشرة لمهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية، وجائزتا مهرجان نقش للأفلام القصيرة (البحرين) لأفضل فيلم وأفضل ممثل.

لم يتسلم محمد الجائزة الأخيرة، التي جاءت في شهر اكتوبر تشرين الأول 2014، وفي الوقت الذي كان يعيش فيها شهوره الأخيرة راقداً في غرفة العناية المركزة في أحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن. والده وابنته حضرا المهرجان نيابة عنه،  تسلما الجائزة التي منحتها اياه لجنة تحكيم المهرجان معتبرة فيلمه أفضل أفلام هذه الدورة وهي الثالثة من عمر مهرجان نقش للأفلام القصيرة، وذلك لتمكنه من توثيق معاناة مخرجه محمد جاسم الشخصية. اضافة إلى ذلك، منحت اللجنة محمد جائزة أفضل ممثل لأنه تمكن في فيلمه هذا أن يستحضر لحظان انسانية صعبة بعفوية وصدق بالغين. نقلها بشكل معبر أثر في متفرجيه، على الأخص أولئك الذين حضروا عرض الفيلم ليلة ختام المهرجان. غصت القاعة بدموعهم وعاشوا مع محمد تجربة مرضه وآلام هذا الورم الليمفاوي اللعين، الذي تمكن، بحسب بيان لجنة التحكيم، من استحضار لحظات انسانية صعبة وقاسية لكن مميزة فاستحق ان يكون افضل ممثل في المهرجان، وان كان لم يمثل، وتمكن فيلمه ان يفوز، بجدارة، بجائزة أفضل فيلم في هذه الدورة من المهرجان.

أفلام لم تر النور

قبل أن يسلب المرض كل طاقة وقوة من جسده، كان محمد يضع اللمسات الأخيرة على ثاني أفلام الأنيميشين التي يخرجها، كان ذلك فيلم «من هو الأفضل» Who’s the Best  الكوميدي الذي تدور حوادثه في محل الكترونيات، إذ تستعرض الأجهزة الموجودة فيه التقنية التي توجد فيها والعام الذي تم تركيبها فيه، متفاخرة بها متنافسه مع أجهزة أخرى ذات تقينات مختلفة. هذا الفيلم ظل حبيس غرف المونتاج، لا يعرف مصيره. كذلك كان محمد قد انتهى من تصور فيلم اميلون  Amilonوهو الآخر فيلم لم يرَ النور، وظل حبيس المونتاج.

 

https://www.awanbh.com/single-post/2019/01/30/المخرج-الشجاع-محمد-جاسم-أفلام-قليلة-وإبداع-كبير

بعد إعلانه تقديم نسخة سينمائية من مسلسل “سعدون”… الفنان  البحريني جمعان الرويعي: لن يكون بطل فيلمي مظلوماً، وسيشاركني فنانان سعوديان

0W6A1517

يحب الفنان البحريني جمعان الرويعي الشخصيات التي يقدمها، سواء أكانت مسرحية، أو تلفزيونية أو سينمائية. يعيشها بشغف، يتوحد معها، ويتعلق ببعضها.  منذ أسابيع أعلن عن عزمه إعادة تقديم شخصية سعدون، الشخصية الأكثر قربا والتصاقاً به، والشخصية التي يؤكد جمعان أنها تعني له الكثير “سعدون  جزء من تركيبي، أثر بي وأثرت فيه”، وهو “الروح التي غيرت حياة كثيرين ممن شاهدوا العمل وأحبوه”، روح سعدون وروح جمعان وروح الفريق الواحد والتعاون والحب الذي جمع طاقمه، انعكست على الشاشة نجاحاً وشعبية يحظى بهما العمل حتى اليوم.

الرويعي أعلن عزمه تقديم جزء جديد من مسلسل “سعدون”، لكنه هذه المرة سيكون عملاً سينمائياً يأمل الفنان ذو الشغف الذي لا ينتهي، أن يكون جاهزا للعرض مع نهايات العام الجاري 2018، مؤكداً أن “سعدون” في نسخته الجديدة سيكون باكورة لمشاريع سينمائية أخرى، سترى النور في عامي 2019 و 2020.

حول “سعدون” الفيلم، المشاريع المستقبلية، الفنان الشامل، المتألق تمثيلا، واخراجاً، في المسرح والتلفزيون والسينما، التقيت الرويعي في حوار جاء نصه كالتالي:

  • لماذا تعيد “سعدون” الآن بعد عشرين عاما، ولماذا السينما؟

فكرة انتاج جزء ثاني من “سعدون” موجودة لدي منذ فترة طويلة بسبب شعبية المسلسل العالية والتساؤلات الكثيرة التي أتلقاها من الجمهور حول جزء آخر من العمل. فاتحت الكاتب راشد الجودر والمخرج أحمد يعقوب المقلة، في الأمر فوجدت أنهما يحملان نفس الفكرة بل إن الجودر شرع بالفعل في كتابة النص السينمائي. ستكون عودتنا سينمائية، فالحصول على جهة إنتاجية لمسلسل أصعب بكثير منه فيما لو كان العمل سينمائياً. كما إن المسلسلات التي تنتج منها أجزاء ثانية، تُظلم دائما حين تتم المقارنة بين أجزائها. أضف إلى ذلك المسلسلات لم تعد تقدم جديداً وأتوقع أن الوقت القادم سيكون وقت السينما ولذا أريد أن أبني جمهوراً يقبل على عملي ويبقى مع ما أنوي تقديمه من أعمال سينمائية مقبلة”.

  • تتحدث عن صعوبة الحصول على منتج، ألا يمكن التعويل على شعبية المسلسل والنجاح الكبير الذي حققه؟

العملية الإنتاجية أصبحت أصعب، ولا يمكننا المجازفة بإنتاج العمل على حسابنا الخاص ثم البحث عن جهة إنتاج، ثم إن صناعة الأفلام بحسب المعايير في الخليج أقل كلفة من الدراما التلفزيونية، كما إننا يمكننا التحكم في العرض بعمل اتفاق مع دور العرض والتسويق للعمل بشكل جيد.

يؤكد الرويعي أنه سيحرص على نقل معظم شخصيات المسلسل إلى الفيلم، وسيؤديها ذات الفنانين مثل علي الغرير وأحمد مجلي وأحمد مبارك وإبراهيم بحر وهدى سلطان ومبارك خميس، مضيفاً بأنه يعتزم الإستعانة بفنانين سعوديين لم يفصح عن أسميهما “لم أتحدث معهما بعد ولكنني واثق تمام الثقة من موافقتهما على المشاركة”. باقي الشخصيات ستقدمها وجوه جديدة، ستؤدي أدوار الشخصيات في طفولتها، وأبرزها شخصية سعدون، أسأل جمعان عن خطورة المجازفة بشخصية أحبها الناس “ألا تخشى من أن يضعف ذلك حضور الشخصية أو يفقدها روحها، إذ قد لا يكون الممثل الذي يؤديها قادر على إيصال الروح التي أوصلها جمعان؟

فيقول “من مصلحة العمل أن نقدم الشخصية بشكل جديد ومختلف. أريد أن ينسى الجمهور سعدون الذي حفظوا كل عباراته ومشاهده. سأبدأ معه في الفيلم منذ صغره، وسأقدمه بشكل مختلف”.

  • جعل صناع المسلسل الأحداث تدور في حقبة زمنية سابقة، تم اسقاطها على سنوات التسعينات. هل سيتحقق الأمر ذاته في الفيلم؟

ستظل الأحداث تدور في ذات الحقبة الزمنية، وبالطبع سيكون الفيلم محملا بالإسقاطات على الوقت الحاضر، وهذا ما جعلني أسند كتابة السيناريو لمجموعة من الشباب لأطلع على رؤيتهم في الأحداث، ثم سيأتي دور راشد الجودر لعمل التركيبة الثانية للشخصيات.

يأمل الرويعي أن يكون سيناريو العمل جاهزاً للتنفيذ مع نهايات شهر فبراير ليبدأ التصوير الفعلي في شهر أبريل أو مايو 2018، ويؤكد أن شخصية سعدون ستكون مختلفة في السينما “لن يكون الشخص الذي يظلم دائماً، لكن البحريني الذي يسعى جاهداً لبناء بلده والعيش فيها بشكل منسجم ومتناغم”.

775c1c90-e8b0-45bc-ac1a-969bb554184a

سألته عن سر تعلقه بالشخصيات التي يؤديها، وعن التصاقها به، وعن حكايته مع الفن من بداياتها، فقال “ولعي بالفن قديم جداً، لطالما أغرمت بمتابعة المسرحيات والمسلسلات الكويتية وكنت أنتظر اليوم الذي سأتمكن فيه من أن أحقق حلمي وأصبح ممثلا.  ظل هذا الهاجس في ذهني حتى دخلت الفن عام 1981 على يد استاذي صالح الفضل،وأتذكر تماما كيف إن الدنيا لم تسعني في اللحظة التي أخبرنا فيها عن عزمه على تشكيل فرقة مسرحية للمدرسة. للأسف لم تكتمل فرحتي بتلك الفرقة التي حلها مدير المدرسة بعد أسبوعين من بدء التدريبات المسرحية بحجة حرمتها”.

عاد حلم جمعان ليتحقق بعد عام من ذلك، حين استدعاه صالح الفضل مرة أخرى مع مجموعة من الطلبة وعرض عليهم المشاركة في مسرحية للأطفال سيقيمها نادي توبلي تحت عنوان “باسمة والساحر”. كان جمعان ممثل احتياط فيها،  ويتذكر “كنت أحضر البروفات يومياً وأتابع الحوارات بشغف. حفظت جميع الأدوار، وكنت انتظر بفارغ الصبر اللحظة التي يقرر فيها مخرج المسرحية حمزة محمد منحي دوراً”.

لازمه الشغف منذ البدايات إذن، وكان حينها يحمل ثقة لا يعرف مصدرها بأنه سيقوم بأحد أدوار العمل. وبالفعل صدق حدسه، حين تغيب الممثل الرئيسي عن بروفة هامة للمسرحية، وكان هو بديله. يقول “صعدت خشبة المسرح لأفاجئ الجميع”.

أذهل الفتى الهادئ الصغير الجميع، شخصية أخرى اعتلت المسرح، تتحرك بخفة، يعلو صوتها مرة وينخفض أخرى. شخصية لا تمت بصلة لشخصية جمعان الصامت غالباً. كان ذلك هو الدور المسرحي الأول الذي يسند إليه، أشاد به الجميع، ومنذ ذلك اليوم أصبح جمعان والمسرح لزيمان لا يفترقان.

التصق الرويعي بصالح الفضل ومن بعده عبدالله السعداوي، تعلم منهما الكثير، وحين توفي الفضل، زاد التصاقه بالسعداوي، الذي أخذه لأجواء الفن الساحرة وتنقل معه بين المسرح حيث الصالات المغلقة إلى مسرح الشارع ثم إلى عروض متنقله وأخيرا إلى كاميرا ظلت مصاحبة له على الدوام فوظفها لتصوير أفلام قصيرة. سحرته تلك الأجواء وزادت شغفه، أصبح معروفاً في الأوساط المسرحية كطاقة واعدة. وحين أنهى دارسته الثانوية عارض رغبة أسرته في الالتحاق بالجيش وفضل المعهد العالي للفنون المسرحية في دولة الكويت.

 السعداوي، ومسرحياته المميزة جعلت الرويعي يبرز ويصبح ملحوظاً من قبل أساتذة ومخرجين كبار في المجال المسرحي، ومن بينها مسرحية “الرجال والبحر” التي كانت ذات شكل مختلف عما هو موجود في المسرح البحريني، أبرزت موهبته، ومهدت له الطريق ليحضر  مهرجان بغداد المسرحي عام 1987، ومنه إلى المهرجان الخليجي الأول في الكويت. في بغداد والكويت، لفتت موهبته أنظار فنانين مسرحيين كبار، ما سهل عليه الإلتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت.

 

المحطة الهامة في حياة الرويعي جاءت خلال رحلة فنية اصحبه فيها السعداوي إلى القاهرة ليلتقي فيها بالأستاذ المسرحي عبدالرحمن عرنوس، الذي طلب منه ارتجال مشهد مسرحي، “بعدها مباشرة عرض علي المشاركة في عمل مسرحي في اجازة الصيف،  حين سافرت صيفاً، حدث الغزو العراقي للكويت فانتقل المعهد المسرحي إلى مصر، لتنتقل دراستي إلى المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة ولأبقى فيه  حتى بعد انتهاء الغزو العراقي للكويت”.

يقول جمعان “جاء أول عمل تلفزيوني لي عام 1983، كانت سهرة تلفزيونية بعنوان “فجر يوم آخر” مع الفنانين محمد ياسين وشفيقة يوسف وفي الشرقاوي. فازت السهرة بجائزة أفضل عمل عام 1983″.

ظل الرويعي يتنقل بين المسرح والتلفزيون، حتى عام 1993 وبعد نجاح مشاركته في مسلسل أولاد بوجاسم، يقول “قررت أن أحترف التمثيل، وكان عمري حينها 24 عاماً”

بعد أعوام جاء عمل “سعدون” ليشكل نقطة تحول في حياة الممثل الشاب الذي شغف بالشخصية، ومنذ ذلك الحين، أصبح يتعامل مع التمثيل بشكل مختلف “بدأت أركز على الوصول للمرحلة الطبيعية البسيطة في أداء الشخصية لأقدمها بأسلوب ولكنة مختلفين في كل مرة”.

  • كيف انتقلت من أمام الكاميرا إلى خلفها، وكيف نجحت كممثل ثم كمخرج بارع في إدارة الممثلين وقادر على السيطرة على العملية الفنية؟

صورت في بداياتي بعض الأفلام القصيرة، لكن بذرة الإخراج الأولى جاءت حين جعلنا السعداوي يوماً، نرتجل أدورانا ونخرج الجزء الخاص بنا في مسرحية “الرجال والبحر” التي قدمناها قبل التحاقي بالمعهد المسرحي. أتذكر أنه أعجب جدا بالمشهد الذي ارتجلته وضمنه في المسرحية من دون أي تغيير.

ويواصل “اتجهت للتلفزيون عام 1995 كمساعد للمخرج بسام الذوادي في مسلسل “حسن ونور السنا”. علمني الذوادي كل أسرار العمل التلفزيوني وتفاصيله بما في ذلك السيطرة على موقع التصوير  وضبط ايقاع العمل. تعلمت منه الكثير واكتسبت خبرة وبنيت علاقات مع الممثلين، كما تعلمت الفرق بين المخرج السيء والمخرج الجيد”.

عام 1995 كان أيضاً العام الذي أخرج فيه الرويعي للمسرح أعمالا متميزة، كذلك حتى أخذه التلفزيون مرة أخرى عام 2007 ليقدم مسلسل “شاهين” مع المخرج محمد دحام الشمري ولتتبعه بعدها خمسة أعمال أخرى قدمت على مدى ثلاثة أعوام.

0W6A1508

http://www.alriyadh.com/1656276

جمعان الرويعي: الدراما التلفزيونية لن تقدم الجديد في عصر السينم

https://www.awanbh.com/single-post/2019/05/05/المتوهج-شغفا-شخصية-المسرح-البحرينية-2019-الرويعي-أحترم-جمهوري-كثيرا-والعمل-جار-على-سعدون

أنا البحرين… هذه الوجوه التي تشبهك

منصورة عبدالأمير

الوجوه البحرينية الأصيلة، بكل عفويتها وبساطتها. شوارع البحرين القديمة، الأزقة القديمة والطرقات التي تحمل رائحة البخور والزعفران وخلطة البهارات البحرينية وخبر الرقاق والحلوى والرهش.. سوق المنامة القديمة، سوق القيصرية وسوق المحرق، وجوه “المناميين والمحرقاويين”، وغير ذلك الكثير من الروائح والصور التي تعبق بها سلسلة أفلام فيديو كليب قصيرة أطلقها  المخرج الشاب أسامة سيف، أخيراً، تحت عنوان “أنا البحرين”.

الأفلام التي جاءت متزامنة مع احتفالات البحرين بأعيادها الوطنية. تضج بتفاصيل الحياة اليومية، في البحرين، من غير رتوش، وبلا ألوان، ومن غير تكلف أو اضافات، هي البحرين فقط، في عيون إبن من أبنائها، هي البحرين كما أحبها أسامة وهي الصور التي تكاد تتلاشى من بين أصابعنا بعد أن غزت واجهات المباني الزجاجية طرقاتنا القديمة، وبعد أن غيرت المدنية ملامح “فرجاننا” وشوهت “زرانيقنا” وصنعت أحياء لا نعرفها، لا تلامسنا ولا تمت لذاكرتنا بصلة.

فكرة هذه الأفلام بدأت مع سيف منذ عام 2011، حين صور سلسلة أفلام قصيرة لصالح المجلس الأعلى للمرأة وكانت تحمل العنوان نفسه “أنا البحرين”. كانت تلك الأفلام تركز على نبذ الطائفية وإيصال فكرة مفادها أن البحرين بلد واحد تتجانس فيه الطوائف والأديان وتتعايش بسلام، لكن سيف وجد أن شعار الأفلام يحتمل المزيد من الأفكار وأنه أوسع من أن يختصر في موضوع الطائفية وتجانس الأديان والمذاهب أو في مدينة حديثة تمتلئ بمبان زجاجية شاهقة.

بالنسبة لسيف، البحرين هي وجوه البحرينيين، كل الوجوه، مجردة،  دون أي انتماء سياسي أو مذهبي أو ديني أو غير ذلك. البحرين هي الروح العفوية البسيطة المحبة، البحرين هي المكان، هي شارع الشيخ عبدالله وسوق المنامة القديم، هي سوق المحرق وهي الطرقات والأزقة الضيقة.  هي تفاصيل الحياة اليومية التي تشبه البحرينيين. البحرين هي الإحساس الذي يفتقده أسامه في شارع الشيخ عبدالله والذي ظل كذلك حتى الثمانينات حين كان أسامة فتى صغير يجوب طرقات المنامة القديمة و”زرانيقها”، البحرين هي صور اعتادت عيناه عليها في الثمانينات من القرن الماضي، صور لا يجدها أسامة اليوم لكنه يحن إليها، ويعلم  أن قليل منها لا يزال باقياً حتى اليوم وأنه يجب أن يقبض على ذلك القليل كي لا يتسرب منه، وأن يبقي على تلك الذاكرة عبر توثيقها في هذه الأفلام القصيرة، خوفا من أن تفلت منه.

ولذا عاد المخرج الشاب بعد ستة أعوام وتحديدا في شهر ديسمبر 2017، ليوظف فكرة شعار “أنا البحرين” بشكل مختلف وليضمنها كل الاسقاطات والأفكار التي اختمرت في رأسه منذ عام 2011. قرر أسامة أن يصور البحرينين كما هم، وأن يبرز البحرين كما هي.

يقول أسامة أنه يقدم البحرين التي يعرفها ويشعر بها، ويريد أن يشعر بها كل البحرينيين.  هي ثوان معدودة تلك التي يستغرقها عرض الصور في كل “كليب” لا تتعدى العشرون الثانية، لكنه يسعى لأن يجعل من كل “كليب”  لوحة مكتملة العناصر، تتناسق ألوانها وملامح الأشخاص والوجوه فيها لتشبه البحرين التي يعرفها، تلك المتناسقة الملامح المتآلفة الأرواح.

https://www.awanbh.com/single-post/2019/05/10/هذه-الوجوه-التي-تشبهنا

فيلم (علي معزة وإبراهيم) .. يرتقي بأبطاله وبذائقة جمهوره

منصورة عبدالأمير

_640x_4dbff7122922ea4a154a5806a391a218fb0b8580902b9acdba9b8b5a77d5a432

في المؤتمر الصحفي الذي تلا عرض فيلم “علي معزة وإبراهيم” والذي عقد خلال فعاليات مهرجان دبي السينمائي الدولي 2016، وحين سئل مخرج الفيلم شريف البنداري عما يرمي إليه من وراء الرحلة التي يقوم بها أبطال فيلمه وعن اسقاطات الفيلم بشكل عام، قال البنداري بأنه لا يرمي لأمر محدد.

أحبطني رد البنداري هذا، ليس لكونه مستهجناً فالعمل الفني ليس من الضروري أن يحمل أي اسقاطات كما إنه ليس من المطلوب من أي فنان أن يقدم تفسيرا وتحليلا لعمله الفني فتلك هي وظيفة المتلقي. لكن مرد إحباطي يرجع لأنني كنت واثقة من أن البنداري وكاتبه أرادا قول الكثير من وراء حدوتة الفيلم البسيطة لكنني ببساطة لم أفهم الفيلم جيداً بعد المشاهدة الأولى.  كذلك لم تسعفني كلمات أغنية “اللف في شوارعك” التي جاءت في الفيلم بصوت الفنان محمد محسن. علمت أنها معبرة عن كل ما جاء  في الفيلم لكن بعض عباراتها بدت كطلاسم لم أتمكن من فكها بعد الإستماع الأول مثل “الكوتش اللي باش م اللف في شوارعك” و”القلب القماش المكوي بعمايلك” و “الواد اللي عاش طول عمره يحايلك”.

رغم ذلك، ظل الفيلم حاضراً في ذهني بقوة بعد مغادرتي قاعة العرض، ورغبت في مشاهدته مرة أخرى، لكن العرض كان بكل أسف الأخير خلال المهرجان المذكور والذي يقدم الفيلم خلاله عرضه الافتتاحي.

وعودة إلى رد البنداري الذي جاء خلال المؤتمر أعلاه وحضره إلى جانب البنداري بطلا الفيلم علي صبحي وأحمد مجدي، فلقد كنت أعلم تماماً أن موقفه صحيح من التساؤلات حول الاسقاطات وما وراء االصور والثيمات التي اختارها، على الأخص وهو يقدم فيلما من أفلام الطريق والمعروف أن القيمة الحقيقية لهذه الأفلام تكمن في سرد تفاصيل رحلة الطريق وما يعترض أبطالها من صعوبات، لا توضيح الهدف الأخير منها أو اسقاطاتها وما شابه.

أفلام الطريق على العموم تستهوي المخرج شريف البنداري، بدءا من فيلمه القصير “حظر تجول” الذي شارك به في فيلم “18 يوم” وصولا إلى الفيلم التوثيقي الذي ناقش فكرة مميزة تتمثل في تغير علاقة الأشخاص بالمكان “في الطريق لوسط البلد” وانتهاءً بالفيلم القصير “حار جاف صيفا”، وهو هنا يقدم أول فيلم روائي طويل له ضمن هذه النوعية التي تبدو وكأنها المفضلة لديه.

ومثل كل أفلام البنداري، فإن فيلم الطريق الطويل هذا يبدو منذ الوهلة الأولى مختلفاً عن أي من الأفلام المصرية التي يمكن إدراجها تحت فئة أفلام الطريق، حتى عن تلك التي قدمت على يد مخرجين كبار وشكلت علامات مهمة في تاريخ صناعها أو أبطالها، نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر، فيلم “أربعة في مهمة رسمية” للمخرج علي عبدالخالق وفيلم “ليلة ساخنة” للمخرج عاطف الطيب. لن أزعم أن فيلم البنداري أكثر تميزاً، لكنني سأقول فقط أنه مختلف، طرحاً وأسلوباً، وروحاً. ربما لكونه فيلم فانتازي على عكس ما اعتدناه من واقعية أفلام الطريق في السينما المصرية، بدءا من الحب الذي يجمع بين علي ومعزته وإيمانه بقدراتها الخارقة ثم انتشار ذلك الإيمان والقناعة بين أهالي الحارة، وصولا لتوظيف إبراهيم (بطل الفيلم الثالث بعد علي ومعزته) الأصوات التي تملئ رأسه لتعديل مسار بعض الأمور في عدد من مشاهد الفيلم.

ويتحدث الفيلم عن علي “يقوم بدوره علي صبحي” إبن الحارة الشعبية البسيط في تفكيره العفوي في انسانيته، الذي يقع في حب معزة لأنها يعتقد أنها تعويض من الله له عن خطيبته ندا التي فقدها بعد سقوطها من فتحة في أحد جسور القاهرة، ما يجعل منه سخرية وأضحوكة في الحارة، ويدفع بأمه لأخذه إلى معالج روحاني يقترح عليه القيام برحلة لرمي حصى مباركة في مسطحات مائية ثلاث في مصر.

7149973921484396353

لدى زيارته المعالج الروحاني، يلتقي بإبراهيم (يقوم بدوره أحمد مجدي) الذي يلجئ للمعالج ذاته بسبب حالة إكتئاب تلازمه جراء أصوات غامضة تملئ رأسه وتعيقه من مواصلة شئون حياته بل وتقوده إلى قدر محتوم لاقته والدته قبله. كما يتحدث الفيلم عن معزة تبدو وكأن لها كرامات لا تعد ولا تحصى، يسخر الجميع من علي لإيمانه بهذه الكرامات لكنهم يشاركونه ذات القناعة مع نهاية الفيلم. يقرر الإثنان القيام برحلة لإلقاء الحصى في المسطحات التي اقترحها المعالج، ويقرر علي اصطحاب ندا (المعزة)، ويقرر البنداري توثيق رحلتهما تلك وأخذنا معه لنعيش تفاصيل  شيقة ومختلفة.

ليست الرحلة التي يقوم بها بطلا الفيلم هي ما سيجعل من الفيلم فيلماً من أفلام الطريق، وحسب، لكننا منذ البداية سنجد أنفسنا على الطريق، نلازم علي أولا، ونعيش معه تفاصيل يومه، هو وصديقه كاماتا (يقوم بدوره أسامة أبوالعطا)، ثم ننتقل إلى إبراهيم لنتعرف أيضا على حياته ونلازمه منذ طرده من مكان عمله حتى وصوله إلى منزله في ذات الحارة التي يعيش فيها علي الملقب بعلي معزة.

كذلك، فإن الفانتازيا ليست هي ما يجعل الفيلم مختلفاً وحسب، لكن الفيلم يطرح قصته بشكل لا يشبه ما هو سائد في السينما المصرية.  لن يستدر الفيلم عواطف متلقيه ولن يقدم أي مشاهد ابتزاز عاطفي للمتلقين تجاه علي ووضعه العقلي والنفسي أو تجاه إبراهيم الذي نراه وهو يسير نحو نهاية محتومة بسبب تلك الأصوات التي تسكنه.

وفي المقابل لن يجعل الفيلم من أبطاله أضحوكة، فهو ليس فيلما كوميديا ينتزع الضحكات من مشاهديه على حساب وزن وثقل الشخصيات، لكنه بدلا من ذلك سيقدم كثيرا من الاسقاطات السياسية والمجتمعية بلغة تهكمية عالية ستأتي على لسان شخصيات الفيلم وعلى رأسهم علي الذي لن نسخر من بساطته وخفة عقله، فالبنداري يخبرنا أن علي ليس مغفلا ولا معتوها، ربما ساذجا نوعا ما وبسيط العقل وعفوياً أكثر مما ينبغي لكنه ليس غبياً.

كذلك سنجد التهكم في جعل المعزة بطلة للفيلم، فهي تظهر في معظم مشاهد الفيلم، وهي معزة غير عادية، يؤمن علي أنها تعويض له عن ندى خطيبته، وبالمناسبة أطلق عليها إسم خطيبته ندى، كما إنه يحمل قناعة تامة بأن لهذه المعزة كرامات تجعله في مأمن من مخاطر عديدة ما دامت هي معه.

سيأتي التهكم أيضا على يد ضابط على درجة عالية من السادية (يؤدي دوره آسر ياسين)، يفترض أنه سيكون قائما على نقطة تفتيش هي بمثابة كمين لإصطياد موزعي المخدرات. سيتهكم الفيلم على سادية الضابط المثيرة للشفقة والتي تجعله يغفل عن ملاحظة فتاة مختطفة تصرخ وسط سيارة أجرة تمر أمام نقطة التفتيش التي يقف عليها فيما ينشغل بتوجيه طعنات متتالية لبطن (دبدوب) يبتاعه علي معزة لخطيبته ندى (المعزة) بمناسبة ذكرى ميلادها، وذلك بحثا عن مخدرات مزعومة.

وكما لن يستدر فيلم (علي معزة وابراهيم) عواطف المتفرجين، ولن يجعل من نفسه ومن أبطاله أضحوكة، فإنه في المقابل سيبهرنا بمواقفهم، ثم سيخفف درجة الإنبهار تلك، حين تصدر من تلك الشخصيات مواقف تكسر إنبهارنا، فهم بشر عاديون في نهاية المطاف. البنداري سيجعلنا نقف من الشخصيات موقفاً محايداً، فعلي ليس مغفلا تماما وليس طيبا جدا، لذلك فما أن تبدأ في التعاطف معه حتى يقرر البنداري أن يجعلك تأخذ خطوتين إلى الوراء، تراجع فيها حساباتك من شخصيته وتترك بينك وبينها مسافة.

365868_0

كذلك لم تكن نور وإسمها الآخر أو الحقيقي صباح (تقوم بدورها الفنانة ناهد السباعي) ضحية بالمعنى الحقيقي، وهي التي إلتقاها علي وصديقه كاماتا تصرخ في سيارة أجرة طالبة النجدة، أنقذاها معتقدين أنها ضحية حادث اختطاف بغرض الاغتصاب ليجدا بعدها أن الأمر لم يكن سوى حالة عدم اتفاق بين زبون و”فتاة ليل”.

يختلف فيلم البنداري أيضا عن سواه من أفلام السينما المصرية في قدرته على جعل المتلقي (غير المصري على الأقل) يغير وجهة نظره من الشخصية التي تأتي من الحارة المصرية، على أقل تقدير، فهي ليست شخصية انتهازية لا تكترث للأخلاق والقيم. سيخرج فيلم البنداري شخصية إبن الحارة المصرية الفقيرة من قالب نمطي لطالما ظلمتها السينما المصرية بوضعها فيه. ستبرز هذه الشخصية في فيلم (علي معزة وابراهيم) في قالب جديد سيمثله كاماتا، الذي لم يستغل حقيقة نور ولم يحاول استغلالها جسدياً بعد أن أنقذها لكنه سيقرر اقناعها بالعودة إلى جادة الصواب ثم سيتزوجها، رغم ما يفعله المخرج حين يوهمنا في أحد المشاهد بأن كاماتا قد تجاوز حدوده مع نور. بشكل عام سيجعلك الفيلم تحترم جميع الشخصيات المعتادة في السنيما المصرية وسيغير موقفك منها.

سيغير الفيلم أيضا النظرة للفيلم المستقل الذي يمكن أن يأتي بنكهة تجارية ليجتذب الجمهور وليحبوه لكنه لن ينزل بمستواهم مبررا ذلك النزول بقاعدة الجمهور اللي عاوز كده، كما لن يترفع عليهم، بحجة كونه فيلم فني يصلح للمهرجانات، مع الوضع بعين الاعتبار الاتهامات التي وجهت للفيلم من قبل بعض النقاد، على الأقل ممن حضرت العرض معهم، والتي تتهمه بالترفع على جمهوره في جعل اسقاطاته غير واضحة.

وأخيرا، فلقد تمكن البنداري من تقديم فيلم مستقل بوصفة سينمائية تحترم جمهورها وترتقي بذائقتهم السينمائية. قدم الهم المصري بأسلوب فانتازي وبلغة تهكمية راقية، وعبر فيلم عفوي جدا مختلف جدا في طرحه وفي اسقاطاته وفي مباشرته ولا مباشرته وفي لغته السينمائية.

1490289367-85628-558

 

أبهره “الفجري” فصور فيلمه “ذرة رمل” وعرضه في “دبي السينمائي” … الموسيقي جايسون كارتر: بالفن نعرف الآخرين ونتوازن نفسيا وثقافيا

منصورة عبدالأمير

ليس هناك ما هو أكثر قدرة من الأوقات الصعبة التي نمر بها في صنع إبداعنا، أو … في تطوير مشاريعنا الإبداعية ودفعها إلى الأمام. الموسيقي جايسون كارتر يؤكد هذا الكلام ويثبته في فيلمه الوثائقي الأول “ذرة رمل”  A Grain of Sand  الذي قدم عرضه الأول يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 2017 ضمن عروض الشاطئ في مهرجان دبي السينمائي الدولي، وصحب العرض تقديم أداء حي من فرقة مركز شباب الحد.

 

في الفيلم يبحر جايسون مع موسيقى الفجري الشعبية البحرينية، يدرس تاريخها ويتعرف على بداياتها، يحضر جلسات فرقة لا تزال تعتز بها هي فرقة شباب الحد البحرينية، ثم يشارك الفرقة “الفجري” بموسيقى الجيتار التي يقدمها هو وموسيقى الفلوت من الفنان البحريني أحمد الغانم، دليله البحريني ووسيطه اللغوي في أوقات كثيرة.

أدهشني إعجاب جايسون بالموسيقى البحرينية وتفاعله معها بالشكل الذي شاهدته في الفيلم، سألته عن سر هذا الانبهار بموسيقى لا تمت له بصلة ثقافية، فقال:

“الفيلم بالنسبة لي هو رحلة وتجربة عميقة مثرية. بدأ بفكرة واتتني بعد وفاة والدتي عام 2013. كان وقتاً صعباً جدا، كنت حينها في فرنسا، وكنت أعيش مرحلة انتقالية جلت فيها العالم وكنت أفكر في مشروعي المقبل”.

كان جايسون يجول العالم حينها بجيتاره، يدرس موسيقى ثقافات مختلفة، يتعرف عليها، يحبها، ومن ثم يدمج ألحانه بألحان تلك الثقافات، ليخرج بألوان موسيقية مختلفة. لعله ذلك الإنفتاح الموسيقي الثقافي هو ما حافظ على توازن جايسون النفسي وهو يعيش محنة فاة والدته، إذ بعد عودته من جنازة والدته، بدت الأمور حوله مختلفة، ويتذكر هو قائلا “كنت أنشر ملابسي المغسولة فيما كانت ألحان فرقة إماراتية شعبية تنساب من داخل المنزل”.

لكن هل كان جايسون يرثي والدته بألحان فرقة إماراتية؟ وأي رابط ذلك الذي يجعله يقفز إلى موسيقى لا تمت لثقافته بصلة في أحلك أوقاته وأكثرها حزناً؟

ويجيب جايسون “فيما كنت أستمع إلى تلك الموسيقى، خطرت في ذهني أمور عديدة من قبيل أنني يتيم وأن والدتي تبنتني، وأن هويتي غير واضحة، ووجدت أنني أنجذب للأشياء الثقافية القديمة هو أنها تمنحني شيئا لا أملكه”

GOS Still (4)_preview

ويوضح “بدأت أفكر في موضوع الهويات، وبأن كلمة هوية تعني الكثير لنا جميعاً، وبأن للهوية مراحل وأهمية على المستوى الشخصي، والجمعي، والمجتمعي، والعالمي”.

ثم يقول “أبهرتني ثقافة الدول الخليجية منذ بدايات تعرفي عليها عام 1993، وحينها كان تراث الخليج وثقافته واضحين بشدة لمن يزور منطقة الخليج. كان الأمر يبدو للزائر كما لو أنه يعود بالزمن إلى الوراء، وبمجرد أن تحط قدماه في منطقة الخليج كان يتملكه شعور بسحر المكان الذي لا يعرفه أو يعيشه كثيرون في مناطق من العالم”.

الإنبهار الأكبر لدى جايسون تركز على الموسيقى، باعتبار تخصصه، والشعبية منها على وجه الخصوص “منذ زيارتي الأولى للخليج في التسعينات، وكانت زيارة لدولة الإمارات، إنبهرت بالموسيقى الشعبية التي بدت لي موسيقى غير اعتيادية، ومباشرة أردت أن أعزفها مع الإماراتيين”.

كان عمر جايسون حينها لا يتجاوز الثالثة والعشرين وكانت تلك أول رحلة له خارج المنطقة الريفية التي ولد ونشأ فيها في إنجلترا. أبهرته الموسيقى الإماراتية الشعبية حينها، وشجعه انفتاح الإماراتيين وبساطتهم ومحبتهم للآخرين في أن يخطو تلك الخطوة”.

ويضيف جايسون “لقد أحببت تلك الموسيقى وشعرت بأنها تسربت إلى أعماقي، واليوم وبعد خمسة وعشرين عاماً لا زالت هذه الموسيقى تأسرني”.

قضى جايسون أربعة أعوام في دبي، انخرط في الحياة هناك، كون صداقات كثيرة وأصبحت الإمارات وطن ثان له،  الأمر الذي كان كفيلاً بجعله قريبا جدا من الثقافة الإماراتية وبالموسيقى التراثية على الأخص، وولد لديه فكرة تصوير فيلم عن الموسيقى الشعبية الإماراتية والخليجية.

لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة، فعلى رغم حب جايسون الشديد للثقافة الخليجية وشغفه بها، إلا أنه وجد الأمور تتغير كثير في الفترة التي قرر فيها أن يصور فيها فيلمه. وجد المنطقة تمر بتطورات كثيرة جاءت سريعة وكبيرة جدا فأفقدت، بحسب رأيه، دول الخليج، شيئا من خصوصيتها الثقافية، ويشرح ذلك قائلا “أعتقد أنه من المستحيل أن تصمد أي ثقافة أمام التطورات التي تحدث بسرعة كبيرة، دون أن تخسر تلك الثقافة شيئا ما”.

وجد جايسون التطورات التي تحدث في دبي سريعة جداً، فانتقل إلى أبوظبي، لكنه وجد الأمر ذاته، التطورات السريعة والكبيرة جاءت على حساب ارتباط الأفراد بتراثهم وبثقافتهم الأصيلة.

وهو يرى بأن “فصل الأفراد عن تراثهم الثقافي هو فصل لهم عن هوياتهم، وقد وجدت هذا الأمر واضحا لدى الإماراتيين فلقد غيرهم ذلك التسارع الكبير في التطور في مجتمعهم، فهم يملكون منازل جميلة وسيارات فارهة ووظائف مرموقة لكن هناك أمر مفقود لديهم”.

اتضح لي ذلك بشكل أكبر حين عدت لأبوظبي لأصور الفيلم، التقيت ببعض أفراد فرق شعبية إماراتية، سافرت إلى رأس الخيمة لألتقيهم، لكنني وجدتهم متحفظين كثيرا، وغير راغبين في التحدث معي حول الموسيقى التراثية”.

ويضيف “حين بدأ بعضهم في الحديث معي لفهم حزن غريب، ربما لأنهم يجدون أنهم متجاهلون، كانوا يكررون دائما نحن نحب بلدنا ونحب الشيخ زايد، لكنني كنت أشعر بأن هناك المزيد لديهم لكنهم لا يفصحون عنه”.

“فعلت ما بوسعي لينجح مشروع الفيلم في أبوظبي بل إنني أقنعت شبكات إعلام عالمية لتغطي الفيلم باعتبار كونه فيلم يعزز الحوار بين الثقافات ويمد الجسور بينها، وبالفعل حصلت على اهتمام السي ان ان، لكنني بعد شهور من العمل، وجدت أنني غير قادر على اتمام الفيلم ووجدت أن كل ما صورته لم يكن كفيلا بصناعة فيلم جيد”.

هكذا عاد جايسون إلى فرنسا بخفي حنين، كان حزينا ومحبطاً، لأنه شاهد كيف تفشل “أفضل فكرة واتته في حياته” كما يصف هو فكرة الفيلم. شاهد كيف حاول هو ومخرجه حتى النهاية في إنتاج فيلم من المحادثات التي صوروها على مدى شهور، لكن الأمر لم يأت بفيلم، ولا حتى بقصة يتم الإرتكاز عليها.

هكذا وبعد ثلاثة أعوام، وتحديداً في يونيو 2016 قرر جايسون بأنه لن يكون قادرا على تحقيق وانجاز هذا الفيلم الحلم. لكن لقاءاً مع صديقة ما في مقهى فرنسي، غير الأمور تماماً، يقول جايسون “حين أخبرت صديقتي بفشل مشروعي، سألتني لماذا لا تصوره في البحرين”.

في البحرين التقيت بليديا مارتين، عالمة الموسيقى التي تحمل شهادة دكتوراة في الموسيقى الفجري. أخذتني ليديا إلى الموسيقي أحمد الغانم الذي عرفني بدوره على فرقة شباب الحد، ثم بدأت كل المعوقات تسهل بدءا من التعرف على الأشخاص المناسبين لعمل الفيلم وصولا إلى الحصول على تمويل يغطي تكلفة الاستعانة بفنيين على الأقل، وكان ذلك تمويل من مبادرة أفلامنا”.

هكذا بدأ التصوير مرة أخرى ومن جديد لتحقيق الفيلم – الحلم، لكن هذه المرة في البحرين، بدأ مع فرقة شباب الحد ووسط بروفاتهم الليلية التي كانت بإدارة الموسيقى البحريني عازف الفلوت أحمد الغانم وهوالذي كان يصيغ ألحان تتواءم مع ايقاعات الفجري المعقدة. انتهت هذه البروفات بأمسية موسيقية في مركز لافونتين شارك فيها جايسون وأحمد فرقة شباب الحد، بجيتار الأول وفلوت الثاني وألحان الفجري من الفرقة.

بعدها قرر جايسون أن يقوم هو بنفسه بإتمام عملية مونتاج فيلمه، فلا أحد يحمل ذات الشغف الذي يحمله هو بالموسيقى الشعبية الخليجية ولذا لن يكون هناك من هو أقدر منه  على نقل ذلك الشغف عبر الصورة. أراد جايسون فيلما يحمل قصة متماسكة تروي شغفه وحبه لهذه الموسيقى.

حين سألته عما جذبه لموسيقى الفجري، قال

“منذ بدايات قدومي إلى دول الخليج استهوتني أغاني الغوص في البحرين والكويت والإمارات. وبدأت أرى الفروق بين هذه الأغاني في الدول الثلاث، وحين أردت بداية أن أصور الفيلم في الإمارات كنت أنوي جعله يتحدث عن أغاني الغوص بشكل عام، لكنني مع الوقت بدأت أميز بين أغاني الغوص المختلفة، وبدأت ألاحظ الجو الذي تشيعه موسيقى الفجري بشكل  خاص. وهنا حين حضرت إلى البحرين وبدأت أحضر جلسات مركز شباب الحد، كنت ألاحظ كيف ينتقل أعضاء الفرقة من الأجواء المجنونة مع أنواع الموسيقى المختلفة إلى الجو الخاص لموسيقى الفجري”.

أحب جايسون موسيقى الفجري ووجد أنه سيكون قادرا على مشاركة الفرقة في عزف ألحانها، ثم أبهرته أكثر حين تعرف على أصولها وتاريخها بدءاً بالأسطورة التي تدور حولها وانتهاءا بروايات تاريخية أخرى تتعلق بها.

يقول جايسون “هنالك قصة شعبية تتحدث عن أصول الفجري وتدور حول ثلاثة من غواصي اللؤلؤ من المحرق الذي زاروا ساحل أبوصبح في الدراز، وحين أقتربوا من مسجد أبوصبح سمعوا صوت لحن موسيقي يأتي من وراء المسجد، وكان أولئك الجن يعزفون ألحان الفجري”.

أما الرواية التاريخية التي استمع إليها جايسون وضمنها في فيلمه فتفيد بأن موسيقى الفجري جاءت أصلا من موسيقى مسيحية دينية، كانت تعزف قديما قبل تحول البحرين إلى الإسلام، وتشير إلى أن المسيحيين في البحرين ممن أرادوا حماية ثقافتهم بدءوا يعزفونها بشكل سري، ثم تطور الأمر فأصبحت هذه الموسيقى والأغاني تستخدم كأغان وموسيقى للغوص.

جايسون أضاف بأن ما يميز العازفين البحرينين لهذه الموسيقى الشعبية، عن سواهم، هو اعتزازهم بتراثهم الموسيقي، وعدم خجلهم من التحدث عن هذا الجزء الأصيل في ثقافتهم.

سألت جايسون عن الجو الشاعري وحالة الشغف بالفجري اللتين تبدوان واضحتين في الفيلم، وعما إذا شغفه يتركز على الموسيقى بشكل خاص، أم إنه هوس ثقافي يمتد لكل عناصر الثقافات المختلفة.

فقال “كلا الأمرين، إذ بالنسبة لي أعتقد أن أفضل ما في فيلمي هذا هو أنه محصلة تراكم لخبرات ثقافية كثيرة حول موضوع أغاني الغوص والموسيقى الشعبية بدأت منذ عام 1999 حين إلتقيت بالأستاذ علي عبدالله خليفة، الذي دعمني بشكل كبير وشجعني على أن أقوم بمشروع الفيلم، وقال لي إنني أملك موهبة تمكنني من الإنتقال بين الثقافات المختلفة بشكل سلسل يخرج أفضل ما في تلك الثقافات. شجعني علي عبدالله خليفة على أن أخوض تجربة مع ثقافات مختلفة في العالم، فعملت في مشروع دعمه المجلس الثقافي البريطاني في دول عديدة مثل كوريا الشمالية وأفغانستان وباكستان، تركز حول مزج موسيقاي مع موسيقى تراثية أصيلة لهذه الشعوب”.

Hold-guitar_preview

عدت لسؤال جايسون عن الكيفية التي يرى فيها الموسيقى معززة للهويات محافظة عليها، فقال:

“يمر العالم اليوم بمرحلة انتقالية حاسمة وكبرى، وهو ما ينتج حالة من عدم الإتزان ويؤثر على إحساس الأفراد من مختلف الثقافات بهوياتهم. من وجهة نظري فإن الموسيقى والفن هي أحد أكثر الأدوات قوة وقدرة على تغيير الأجواء، لا أقول أنها تغير العالم فهذا مستحيل لكن يمكن لها أن تغير شخصيا واحدا يمكن له أن يغير العالم. أؤمن بقدرة الموسيقى على تغيير الناس وعلى تغيير أولئك الذين يملكون النفوذ والقادرين على احداث التغيير في مجتمعاتهم. ونحن كفنانين إذا فهمنا قوة الفن الذي نقدمه وقدرته على التغيير فسوف نكون قادرين على احداث التغيير.

أما عن أهمية تصوير فيلم حول موسيقى الفجري لتعزيز الهويات فيقول “أهمية فيلمي تأتي من تأكيده على أنه في ظل حالة عدم الإتزان التي يمر بها العالم وتأثيرها الكبير على الهويات الفردية، يأتي الفيلم ليقول أنك إذا أردت أن تتعرف على الآخرين فما عليك سوى أن تتحدث إليهم، وهذه المنطقة، أٌقصد منطقة الشرق الوسط، حصلت على تغطية اعلامية سيئة بشكل كبير في السنوت الأخيرة منذ أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من جرائم داعش”

يشير جايسون إلى أن فيلمه سيكون بمثابة اقتراب من الثقافة الأصيلة لدول الخليج وسيكون كفيلا بنقل صورة مختلفة عن تلك الشائعة في الإعلام العالمي، لكنه يؤكد “لا أزعم أن الفيلم سيكون توثيق رسميا لتاريخ أغاني الغوص ولكنه توثيق لرحلتي الشخصية في ثقافة الخليج وإدراكي لأهمية هذه الرحلة لمد جسور الحوار الثقافي”.

الفيلم البحريني “الشجرة النائمة”… تجربة جريئة رغم كل شيء

منصورة عبدالأمير

ST-POSTR-5

يتهم بعض النقاد صناع الفيلم البحريني “الشجرة النائمة” الذي عرض عام 2014، بالتعالي على المتلقي، مرجعين ذلك التعالي لعدم تقديم مخرج الفيلم محمد راشد بوعلي وكاتب نصه السينمائي فريد رمضان،  أي دلالات واضحة لرمزيات ما استخدماه في فيلمهما من عناصر ثقافية تمثلت في شجرة الحياة التي حمل الفيلم إسمها من جانب، وفي آلة الجربة الموسيقية من جانب آخر.

قد يكون هذا الكلام مصيباً في جزء كبير منه، فالفيلم لم يكن واضحاً لكثير من المتلقين سواء من المتخصصين أم الجمهور غير المتخصص، في الطريقة التي وظف بها موسيقى الجربة والشجرة النائمة ولعب على الرمزية الخاصة لهذين المعطيين الثقافيين، وهما معطيان لهما امتداد عميق في الثقافة البحرينية، واستخدامهما في الفيلم فتح الباب لطرح كثير من الإشكالات على مستوى الهوية البحرينية .

من جانب آخر فقد وجد كثير من المتلقين عملية التنقل بين الأزمان الثلاثة التي تدور خلالها أحداث الفيلم، مبهما وغير مفهوم وربما مرتبك في بعض المشاهد، فالفيلم يتنقل بين زمن ماض كانت الأسرة تنعم فيه بوجود إبنتها في وسطها معافاة أو مريضة، وزمن حاضر تموت فيه الإبنة ويعيش فيه والداها لوعة فراقها، وزمن مستقبلي يحلم فيه الأب بلقاء الإبنة من جديد والاجتماع معها. ولعل هذا الأمر صحيحاً، لكن ما يحسب للفيلم في هذا الجانب، هو أن عملية التنقل بين الأزمان الثلاثة هذه مهما بدا ارتباكها، إلا أنها عملية مدروسة من قبل الكاتب على أقل تقدير، إذ جاءت متناغمة مع توظيف رمزية المعطيات الثقافية الأخرى لصالح قصة الفيلم وثيمته الأساس المتعلقة بفلسفة الموت.

هذه الثيمة الأساس التي لعب عليها الفيلم علل وجودها برغبة بطل الفيلم وهو جاسم (قام بدوره الفنان جمعان الرويعي) في التخلص من الألم وذلك عبر القيام برحلة ذاتية عاد خلالها هذا الأب المكلوم بفقد إبنته إلى جذوره وبداياته باحثاً في الأشياء حوله بدءًا من موسيقى الجربة وصولا إلى شجرة الحياة برمزيتها الثقافية.

ومنذ بدايات رحلة الخلاص تلك، بدا وكأن الفيلم يوجهنا نحو التأمل كوسيلة للخلاص، وذلك بمشاهده  المغرقة في الشاعرية بموسيقاها التي أبدعها محمد الحداد وبحركة الكاميرا الرشيقة المعتادة في أفلام بوعلي والتي حملها هذه المرة مدير التصوير التونسي العالمي محمد مغراوي.  التأمل الذي دعى إليه الفيلم هو ذلك الذي يقود بطله إلى التفكير بعمق في ماهية الأشياء وفلسفتها، والأشياء هنا هي الموت وكل ما ينطوي تحته من معاني الفراق والفقد والحزن، وهو الذي انتزع من جاسم ابنته فملئ نفسه كدراً.

الفيلم بدا كتجسيد وبيان لفلسفة فريد رمضان حول الموت، سردها عبر محنة جاسم بطل فيلمه الذي ظل تائها بآلامه، يتعرف على مسبباتها ويبحث في جذورها، والبحث هنا قاده لموسيقى الجربة أولاً ثم لشجرة الحياة، هذه الشجرة التي ترمز للخلود وللحياة التي لا تنتهي، والتي تملك ما لا تملكه ابنته.

إنه يبحث عن الموت في عمق الحياة لأن الأشياء تفهم بنقائضها ولذا عاد جاسم إلى الحياة، مرة إلى الحاضر الذي عزف عن جزء منه ذلك المتعلق بزوجته وابنته المريضة اللتان تعامل معهما بلامبالاة،  فيما حاول إغراق نفسه في جزء آخر منه حين حاول الإنصراف إلى ملذات أخرى قد تلهيه عن اقعه لكنه فشل. العزوف عن أمر ما ثم الغرق فيه وهو الحياة هنا، هو بكل تأكيد سلوك ومحاولة لمواجهة نقيض ذلك الأمر والتعامل معه وهو الموت بكل تأكيد.

1469439309_1469432521049753600

ومن الحاضر ينتقل الفيلم إلى الماضي حين يعود جاسم إلى الموسيقى الشعبية، موسيقى الجربة، ليذوب مع ألحانه لعلها تنسيه آلامه، وأخيراً إلى المستقبل الذي مثلته شجرة الحياة، هذه الشجرة القابعة منذ آلاف السنين لا تهزها الظروف ولا تنال منها السنون.

سيفهم جاسم الموت إذن عبر التأمل في الحياة، مجسداً إيمان كاتب الفيلم بأن التأمل في فلسفة الأول (الموت) سيقود إلى الآخر، الحياة والتأمل في ما مضى منه وما نعيشه اليوم وما سيأتي مستقبلا. الموت في الواقع هو حياة حقيقية وهو المستقبل والزمن الثالث الذي ينقلنا إليه الفيلم في بعض مشاهده. الموت أيضا مجال خصب للتأمل في ثيمات مثل النهاية، والحزن، والفراق والفقد وهي الثيمات التي بنيت عليها قصة الفيلم. وهكذا تأمل جاسم في ألم يعيشه في وقت حاضر في الفيلم، ليجد نفسه يعود إلى الماضي وإلى الأصول والبدايات، ثم ليجد أنه ينتقل نحو مستقبل يطمح لكونه أفضل.

ألم الفقد أخذ جاسم، إلى شجرة الحياة، هذه الشجرة التي تنتصب منذ آلاف السنين وسط مساحة أرض خالية لا تنبت فيها غيرها، والتي تبدو منفصلة عن أي حياة أخرى، تشبه جاسم الذي انفصل عن واقعه منذ أن رفض فكرة المرض الذي يأخذ ابنته نحو موت محتوم. شجرة الحياة وفرت لجاسم مساحة مناسبة تعزز انفصاله عن العالم من حوله، لكنها في الوقت ذاته وفرت له دعما معنوياً ليستمر واقفاً رغم الألم الذي يعيشه، تماما كما تقف هي وسط خواء وموت لا يملؤه إلا حياتها.

لا يهم نوع الرحلة التي قام بها البطل خلال تأمله ذاك، صوفية كانت أم روحية، المهم أنها كانت رحلة تأملية مرت بحيوات مختلفة، حياة مرت، وحياة حاضرة، وأخرى يطمح لها الأب المكلوم. رحلة ذاتية كان هدفها التعامل مع الموت، تمت عبر أزمان ثلاثة المختلفة تنقل البطل بينها ليخلص ذاته من الألم.

فريد وبوعلي عادا إلى الجذور ليفهما الموت والألم في هذا الفيلم التجريبي، المقدم بأسلوب شاعري، الذي يشبه معظم أفلام المخرج بوعلي السابقة، كما إنه نمط معتاد في نصوص وروايات فريد رمضان المعروف بشاعريته والذي يركز في كل أعماله على الهوية البحرينية بكل تفرعاتها.

وبعيدا عن الدلالات الفلسفية للشجرة والموسيقىى، فنحن أمام فيلم بحريني بامتياز، يحمل هوية بحرينية ويعزز الاحساس بها من خلال اعتماده ثيمات تمت للثقافة البحرينية أو تحمل رمزية ثقافية وشعبية بحرينياً، وهي الشجرة النائمة، والموسيقى الشعبية.

وبغض النظر عن أي نواحي قصور وجدها البعض، إلا أنني أجد في الفيلم محاولة جريئة لعمل اضافة للفيلم السينمائي الطويل خليجياً. وتأتي الجرأة من المخرج محمد راشد بوعلي أولا، وهو الذي يضم تاريخه عدداً لا يصل للعشرة من الأفلام القصيرة، وهي على رغم كونها أفلام مميزة لفتت الأنظار لموهبته وحدد من خلالها خطاً خاصاً به، إلا أنها لا تكفي ليقفز بوعلي بعدها للفيلم الطويل في غضون عشرة أعوام من  دخوله عالم الإخراج السينمائي.

هي أيضاً جرأة تحسب للشركة المنتجة للفيلم “نوران بيكتشرز” وهي التي قررت أن يكون أول مشاريعها الإنتاجية فيلم روائي طويل، وبطبيعة الحال فإن صناعة فيلم روائي طويل خليجي، هي خطوة جريئة في منطقة لا تصنع السينما، وفي بلد كانت آخر محاولاته في السينما قبل 8 أعوام مع فيلم “حكاية بحرينية”.

هذه الجرأة من المخرج والشركة لفتت الأنظار، محليا واقليمياً وعالمياً، لموهبة الشباب البحريني، فهذا شاب بحريني كانت أولى محاولاته عام 2005  وهو بعد عشرة أعوام يخوض تجربة فيلما طويلا، وهو لا يقدم فيلماً درامياً عادياً، لكنه يتجه للفيلم التجريبي، وبطبيعة الحال فإن هذه النوعية من الأفلام هي أصعب إن قدمت على نحو مدروس وسليم.

كذلك لفت الفيلم الأنظار لوجود سينما بحرينية مختلفة، من ناحية كونه فيلم روائي طويل، يتم انتاجه بعد توقف ثمانية أعوام، يترشح لجائزة المهر الذهبي في مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2014، كما يتنافس مشروع سيناريو الفيلم على “جائزة آي دبليو سي للمخرجين” في أولى دوراتها في مهرجان دبي عام 2012، عدا عن حصوله على دعم من برنامج “انجاز” وهو جزء من مبادرة سوق دبي السينمائي.

ولا تتوقف انجازات الفيلم عنذ ذلك بل إنه فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2015 في دورته السابعة والثلاثين، كما حصل على الجائزة الثانية لأفضل فيلم خليجي بمهرجان مجلس التعاون الخليجي الثالث الذي أقيم في الإمارات العربية المتحدة، وترشح لثلاث جوائز في مهرجان صناع السينما في برلين عدا عن عرضه في أكثر من 22 مهرجانا دوليا.

لن ننسى بكل تأكيد الدعم الذي حصل عليه الفيلم من هيئة شئون الإعلام لإنتاجها وكذلك من بنك التنمية وبعض مؤسسات القطاع الخاص، وتلك خطوة تحسب للجهة الرسمية بحرينيا في إيمانها بقدرات الشباب البحريني وطاقاتهم، لكنها في الوقت ذاته تحسب للفيلم باعتباره أول فيلم روائي طويل يحظى بتلك المباركة الرسمية.

أخيراً، قد يتهمني البعض بالإنحياز للفيلم ولصانعيه كما حدث مسبقاً، والواقع هو أنني لا أجد ذلك صحيحا، كل في الأمر هو أن كتابات فريد، روايات ونصوص، تصلني بشكل جيد، كما أجدني أتمكن من قراءة رؤى بوعلي الإخراجية أتلقاها هي الأخرى بشكل لا بأس به، ولذا وصلتني تجربتهما الروائية الطويلة الأولى.

وختاماً فإنه مهما كان تفاعل المتلقي مع هذه التجربة إلا أنه لا يمكن إنكار كونها تجربة سينمائية جيدة  بإعتبارها المحاولة الأولى لمخرجها في الفيلم الطويل، والثالثة لكاتبها في النوع ذاته، وذلك بعد فيلمي”زائر” (2004)، و”حكاية بحرينية” (2006).

لا أنحاز ولا أجامل، لكن فيلم “الشجرة النائمة” تجربة جيدة، غير مكتملة، قد تصل البعض ولا تصل آخرين.

Independent movies,,, matter*

By: Mansoora Al-Jamri

Good morning,

It feels good to be here with you today and to have the opportunity to speak at the opening of the Independent Malayalam Film Festival which is coming this year under the title “Reflections 2017”.

The festival is reflecting on five Malayalam movies. Movies that are independent and here I will borrow words of the American producer Christine Vachon to describe independent movies as “movies that matter”.

But what is an independent movie or an indie movie?

Seems we have two definitions of the term, one that is to do with movies in the United States or I would call it the Hollywood definition and another that will apply to movies produced and made outside the US, all over the world.

In the US, it first meant, movies which were made on a low budget. That was in the first decades of the movie industry history. The term was first used in 1908 to refer to movies produced by small firms who were not financially capable and who therefore rejected the financial hegemony of the major movie companies, in today’s terms, the conglomerates that centralized and standardized film production, distribution and exhibition.

The Indies at that time moved to Hollywood, established themselves and a new monopolistic system that is called the Studio System. Companies who didn’t follow the rules of this system rejected the control or were not financially capable of joining it were kicked away and were classified as Poverty Row firms.

The same story happened again in Hollywood, and it happened later, again, in another decade with new renegades or revolutionists “revis” as small companies reject the hegemony of the majors, formed their own gatherings, get stronger, put their own rules and kicked the weak ones.

This had continued until a time when Hollywood realized that cinema is losing its audience to TV so major companies of the cinema industry decided to fight back by backing and financing a different kind of movies, that is the indie movies

What is important here is that every time, the “outcasts” would produce their own version of cinema, at first it wouldn’t be different than the mainstream cinema, and the only difference would be in its low budget. The resulting movies would often contain more creativity, as directors try their best and are as creative as possible to compensate for the shortage in finance that will give better picture due to the better equipment, better cast, and technicians.

IMG_2281

But then when TV came, makers of Indie US movies realized that cinema fights stupidity and shallowness of whatever version of cinema was there and also to get back its audience from TV.

The best description for that period was explained by the founders of The Filmmakers’ Collective, a non-profit organization committed to the preservation and distribution of experimental films. Those members explained the situation at that time; as such “official cinema is running out of breath (…) the industry had become morally corrupt, aesthetically obsolete, thematically superficial, and temperamentally boring.”

This pushed the big cinema houses to care about issues like the freedom to say something else and to experiment in movies. They decided to finance Indie movies that challenge the dominant culture in movies making; movies that challenge the audience or as Christine Vachon (mentioned above) called them “movies that matter”.

With majors (conglomerate) backing “independent content”, one can’t help but ask:

What are “independent” movies called so, what makes them independent?

And

Is an independent film a film that has a low budget?

A film that is not backed or funded by majors in the industry

Or

Is it called so by its spirit?

Having these questions in mind, we would realize that in the indie movies in the US are not necessarily the low budget movies, for a movie like ” A 12 years a slave”, is independent but has a budget of millions of US dollars.

In Europe, the term would refer to movies which are more into experimentation but again does that apply to the rest of the world, putting in mind that freedom of expression is not an issue that is as serious in Europe as it is in the rest of world, outside Europe and the US.

As for the rest of the world, the important issue in this regard is not just about freedom of expression that makes indie movies, as lots of other nations around the world are not enjoying the same level of freedom as it is in the US and Europe, so in such countries where there are no high levels of freedom, cinema is a tool of change and an art that should be respected for its power.  In these countries movies have a different story, the story of an empire and a rebellion, and unlike the US, it doesn’t have to be a financial empire, it might be an empire of a hegemonic culture; whether it is the culture of Hollywood, with its rules, laws, discourse and traditions, that can’t and must not be applied everywhere, or it can be a social and political hegemony within a given country.

So movies that oppose to the idea of “Globalization” are Indies, movies that stand against the status quo and want to change it are Indies.

Indies are movies that challenge the dominant culture as well as its audience, movies that represent different communities of people sharing their values instead of Hollywood values.

To conclude, Independence in cinema is about following your vision without interference from Hollywood hegemony, freeing art and the audience from all restrictions whether market rules, religious prohibitions, political pressure or social norms. Indies are about lowering budget, not relying on technology, telling your own story, choosing the way to tell it, respecting your audience, protecting your identity, and showing the reality of your society.

Dear attendees,

Today’s event that is celebrating Malayalam independent movies is organized so that you, lovers of cinema, appreciate these films, know how movies can express your truth; show your dreams and reality.

 Independent films are made for independent audience who are free from any previous hegemonic cinema perceptions whether came from Hollywood, Bollywood or what some people would call “Arabwood”.

This event is held so that you get a first-hand experience of how passion projects which are made with love, can affect its audience and strengthen them.

Independent films seek to tell the truth with its realistic stories about the world as it really exists, in all its ugliness and cruelty, whereas purely commercial movies or in some cases Hollywood films provide escape and fantasy.

Indie moves are made for people by people, and the least we can do is to free independent artists by backing them, emotionally by watching their movies and financially to guarantee to have their voice alive, freeing them and as a result freeing the audience, from any commercial junk cinema.

Back free art and artists. Free them and free yourself

*A speech delivered on the opening of Independent Malayalam Films Festival,  that was held by the Kerala Club in Bahrain on13th October 2017.